عمل أردوغان على استقطاب جماعة الإخوان المسلمين وتبنيهم، لا حباً بهذه الجماعة، ولا قناعة بأدبياتها، التي تنسف وتتضاد مع كل ما تنتهجه الجمهورية التركية (الأتاتوركية) التي يتربع أردوغان على كرسي رئاستها، وإنما ليتخذ منها مطية يمتطيها لتمرير مشروعه الإقليمي.
أردوغان حاول من خلال استقطاب هذه الجماعة، أن يجعل منهم ممراً سهلاً في مشروعه الإقليمي القائم على الاتجاه جنوباً نحو العرب، بدلاً من الاتجاه لعضوية الاتحاد الأوربي بعد أن انتهت محاولات تركيا للانضمام إليه بالفشل؛ وكان يطمح أن يحقق له ما يسمى الربيع العربي، الذي كانت جماعة الإخوان، من اللاعبين الرئيسيين فيه، سيطرة إقليمية كافية، غير أن فشل جماعة الإخوان في مصر، ومن ثم فشل الربيع العربي برمته، وتزعم المتأسلمين الإرهابيين كداعش وجبهة النصرة وبقية الفصائل الإرهابية لمخرجات المشهد في سوريا والعراق وليبيا، خلط إقليمياً أوراقه، وبالذات بعد أن اتخذت جماعة الإخوان موقفاً مناهضاً للتحالف الدولي ضد الإرهاب، وأعلنته، فاضطر في البداية إلى التعذّر بالرهائن الأتراك لدى داعش، لكنه بعد أن أفرجت داعش عن الرهائن لديها، وجد نفسه مضطراً للانضواء الكامل إلى الحلف، وأعلن أنه سيشارك سياسياً وعسكرياً في القضاء على الإرهاب المتأسلم، ما يعني عملياً أنه سيحارب الذراع العسكري لجماعة الإخوان، والمتمثل في (القاعدة).
جماعة الإخوان يدركون أن الحرب على الإرهاب إذا لم تقض عليهم تماماً فإنها على الأقل ستضعفهم، وستقلّل من قدرتهم على المناورة السياسية، والحركة داخل البلدان العربية وخارجها، وسوف تقوّي في المقابل أندادهم في الداخل العربي: وهو ما سيضعفهم في المحصلة.
والسؤال الذي يطرحه السياق: هل يعني ذلك أن جماعة الإخوان وصلت مع أردوغان إلى طريق مسدود، بعد موقفه المساند لسحق الإرهاب المتأسلم؟
بالنسبة لجماعة الإخوان الخيارات أمامهم ضيقة، فالتخلي عن أردوغان وعن التحالف معه، يعني أنهم تخلوا عن آخر آمالهم في العودة مجدداً كلاعبين مؤثِّرين في الساحة السياسية العربية؛ لذلك فالأرجح أنهم سيتحمّلون انضمام تركيا إلى الحلف، وسيبقون على شعرة معاوية بينهم وبين أردوغان ممدودة ولن يقطعوها، على أمل أن تأتي تبعات هذه الحرب وتطوراتها بفرص يجدون من خلالها لهم مكاناً أفضل من وضعهم الذي انتهت بهم إليه أعاصير ما يُسمى الربيع العربي؛ وخصوصاً أنهم ما زالوا يأملون أن تنتهي هذه الحرب نهاية قريبة من نهاية الاحتلال الأمريكي للعراق، التي وظفوها لتصب في مصلحتهم ومصلحة نفوذهم في البلدان العربية كما هو معروف، وهذه -بالمناسبة - إحدى أهم الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تضطر أن تساندهم وتمنحهم الفرصة في مصر وتقف إلى جانبهم في البداية، لكن فشلهم في عقر دارهم كشفهم وكشف من كانوا يطرحونهم كحركة إسلامية (وسطية) وبالتالي كحل لمواجهة الإرهاب المتأسلم.
أما أردوغان فهو كأي سياسي له حسابات تختلف حسب توجهات الرياح؛ فقد أراد من جماعة الإخوان أن يكونوا بمثابة جواز مرور له ولسياسانه، غير أن هذه الوسيلة تحولت إلى عائق يقف أمامه لتحقيق غاياته، ما يجعل الإصرار على الحلف مع جماعة الأخوان، خاصة بعد انحدار شعبيتهم، وفشلهم، تفريطاً بمكانة ومصالح تركيا في المنطقة؛ لذلك فمن مصلحة أردوغان أن يعيد حساباته في تحالفاته مع هذه الجماعة، وفي تقديري أن موقف أردوغان الأخير المنحاز للتحالف العالمي في محاربة الإرهاب، يوحي للمراقب أن مرحلة جديدة تختلف عن مرحلة الربيع العربي بدأت بالفعل بالنسبة للدبلوماسية التركية، ما سوف يساهم في إضعاف الجماعة، ومحاصرتهم، وتقليم أظافرهم، ويحد من قدرتهم على الحركة واستقطاب المتعاطفين.
إلى اللقاء.