كل العبادات في الشريعة الإسلامية لا تقبل الاشتراطات عدا عبادة الحج! برغم أنها إحدى أركان الإسلام الخمسة، إلا أنها قُرنت بالتمكن والاستطاعة!
أتابع جهود القائمين على الحج وبالأخص ما يتعلق بالأمور الصحية، وأعجب من عدد العمليات الجراحية التي تُجرى للحجاج القادمين لمكة المكرمة! وأدرك توق المسلمين لمكة المكرمة واشتياقهم لزيارة المشاعر المقدسة والوقوف بها، ولكن أن يأتي حاج وهو يعاني من مرض مزمن لدرجة أن تُجرى له عملية القلب المفتوح والغسيل الكلوي، فهو أمر يستدعي التوقف عنده!
فالمريض يُعفى من أغلب الفروض الشرعية بحسب شدة مرضه، فيمكنه (مثلاً) تأدية الصلاة دون قيام أو ركوع أو سجود - بصفاتها المطلوبة بالصلاة - برغم أنها كلها من أركانها، ويسقط عنه الصيام بحسب مدة البرء من المرض وقد يُعفى منه كاملاً ويُطعم مسكيناً بدلاً عنه.
أما الحج فقد اشترط القدرة الكاملة بتوفر السبل الصحية والعقلية والمادية والأمن في الطريق وغيرها، بينما نجد كثيرين يتجشمون الصعاب لأجل القيام بالحج، وقد يكون قد أدى فريضته سابقاً، ويرغب التزود من الطاعات التي يمكن أن تؤدى بصور شتى! من عبادات فعلية أو قولية أو حتى بالنوايا الطيبة، بل إنّ المرء المسلم الذي لا يحمل حقداً أو غلّاً على أحد يدخل الجنة بعد أداء الفروض!
من يشاهد الأعداد الهائلة القادمة من خارج المملكة ومن داخلها لأداء الحج يعجب، ويندهش حينما يسمع عن التجاوزات والتحايل بالدخول للمشاعر المقدسة دون تصريح الحج بشتى الأساليب، حتى ولو باستمالة رجال الجوازات أو محاولة دفع الرشاوي لهم! وبالمقابل يتم رد المتجاوزين وتوقيف المخالفين وإلزامهم بدفع الغرامات. ناهيك عن المخالفات الشرعية للحجاج وتعريض أنفسهم للتهلكة كالوقوف في أماكن خطيرة أو سلوك تصرفات جاهلية!!
أخشى أن يتحول الحج من عبادة إلى عادة وثقافة تحمل الشكل دون استشعار الحكمة من مشروعيته واتقاء الشبهات، والسعي لمنح الآخرين الفرصة لأداء الفريضة، وهو ما ينبغي الاهتمام به، وضرورة توجيه الناس وتوعيتهم قبل نيتهم الحج، وإرشادهم بأنها فريضة تؤدى مرة بالعمر، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حيث لم يحج إلا مرة واحدة في عمره، بينما دلنا على طاعات متعددة يمكن للمسلم الحصول من خلالها على الأجر والثواب وهو لم يبرح مكانه.
أسأل الله أن يتقبّل من الحجاج ويعيدهم لأهاليهم ولبلدانهم بأمن وسلام.