كانوا يقولون: البريطانيون يعرفون المنطقة العربية كدهاة أهلها؛ لذلك فاستضافتهم للمتأسلمين، ودفاعها عنهم، وتركهم يؤدلجون من هناك ومن خلال وسائل الإعلام وحديثاً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، شعوب المنطقة العربية، دليل على أنّ هؤلاء (الدهاة) يعرفون من أين تُؤكل الكتف، وكيف يفرضون عليك أن تُراعي مصالحهم.
الثلاثاء الماضي اعترفت وزيرة الداخلية «تريزيا ماي» في خطاب ألقته في المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في برمنغهام، أنهم كانوا متساهلين مع التأسلم السياسي الحركي، وأنها سترفع إلى مجلس العموم البريطاني مقترحات لإصدار قوانين من شأنها ضبط هؤلاء المتأسلمين، والحد من حرياتهم، وتحديداً قدرتهم على الوصول إلى المتلقي وأدلجته. وهذا ما نُعلق عليه آمالاً كباراً لمحاصرة الخطاب السياسي المتأسلم، والحد من قدرته على الوصول إلى الإنسان المسلم؛ خاصة وأنّ بريطانيا هي ملاذ المتأسلمين الآمن في أوربا كما هو معروف.
وكانت الوزيرة البريطانية قد طرحت أمثلة حية على ما توصلت إليه من قناعات، مثل: (اعتداء مُسلمَين من أصول أفريقية على الجندي البريطاني لي ريغبي ودهسه بسيارتهما بالقرب من ثكنته في ولويتش، ما أسفر عن كسر ظهره. ثم قاما بجر الضحية (25 عاماً) إلى منتصف الطريق؛ وأمام المارة المصدومين، حاول أحدهم قطع رأسه في حين طعنه الآخر مراراً وتكراراً. وقد أُدينا بقتله بعد محاكمة وصفا نفسيهما فيها بأنهما من (جنود الله)، وأنهما قتلا ريغبي لأنّ الجنود البريطانيين يقتلون المسلمين في الشرق الأوسط؛ وحُكم عليهما بالمؤبد).. وكان البريطانيون قد أعلنوا أنهم توصلوا إلى معرفة هوية الفتى (الإنجليزي) الداعشي الذي جز رأس الرهينتين الأمريكيتين في سوريا والتي روعت الغربيين، ومهدت للتحالف العالمي القائم لاجتثاث داعش وسحقها.
وكان المتأسلمون يجدون في بريطانيا، وفي لندن تحديداً، ملاذاً آمناً لهم؛ ومن هناك يجري العمل على الأدلجة، والتغرير بالنشء في البلدان العربية والإسلامية، وكذلك نشء مسلمي أوربا أيضا خاصة من ذوي الأصول الآسيوية والأفريقية، مستغلين مساحة الحرية التي توفرها لهم البيئة العدلية في بريطانيا. ومعروف أنّ القضاء العرفي في محاكم إنجلترا وإمارة ويلز، كما يقول «عادل درويش» في جريدة الشرق الأوسط: (لا يأخذ مثلاً بالاعترافات كأدلة، أو لا تكفي أقوال الشهود من دون أدلة مادية لا يرقى إليها الشك. وكل مهمة الدفاع إلقاء بذرة شك في عقل المحلفين وتسقط القضية، حتى ولو ألقي القبض على الإرهابي بحزام ناسف حول وسطه، لأنّ القضاء يتعامل مع الجاني حسب نتائج فعله وليس حول نواياه)؛ وهذا ما يوظفه المتأسلمون المسيّسون في مصلحتهم، وفي مصلحة نشر خطابهم المتأسلم آمنين من الملاحقة العدلية، ليس فقط لدى مسلمي بريطانيا فحسب، وإنما لدى أغلب الشعوب الإسلامية من خلال الإنترنت، حيث يبرعون في التعامل معه بمهارة.
ولعل من المفارقات هنا أنّ هذه (القوانين الوضعية) التي يسعون إلى نسفها، ومحاربتها، في خطابهم الدعوي، هي التي تحميهم، وتمكنهم من العمل بحرية، ما يؤكد ما كنا نقوله ونردده أنّ منح الحرية لمن يصادرون الحريات في خطابهم، مثل أن تُعيّن مُتوحشاً جاء من أدغال أفريقيا، شب وشاب على أكل لحوم البشر، في وظيفة حقوقية، ثم تطلب منه أن يتعامل مع مسؤولياته بإنسانية. فالمنطق الإنساني في أعرافه وفي قواميسه، أن يمارس ما تربى هو عليه من أعراف، وليس ما تريده أن يمارسه بأمانة حسب أعرافك. وهنا بيت القصيد ومربط الفرس في التباينات بين ثقافات الشعوب ورؤيتها للعدالة.
ومهما يكن الأمر، فأن تصحو متأخراً، وأن تتنبّه إلى ممارساتك التاريخية الخاطئة، وتحاول جاداً أن تتلافاها، خير من ألاّ تصحو أبداً.
إلى اللقاء.