نعيش زمناً صعباً تتعدد فيه التحديات وتتنوع، وإذا كانت المدرسة هي من يلقى عليها تبعات التربية قبل التعليم فإن الأبوين هما الأساس والأسرة هي المحضن الأول للنشأة والبناء، ومع أن لكل كيان أسري منهجه وطريقته في مواجهة الاختطاف الذي يتربص بفلذات أكباده إلا أن هناك قواعد وأسس يجب على هذا الكيان العزيز الالتفات لها والاهتمام بها إن أراد أن ينجح في إنقاذ ولده من السقوط في مضمار الحياة الدنيا والنجاة حين يكون الحساب بين يدي الرب.
الواجب على الوالدين قبل أن يشرعا في هذا المشروع التربوي الهام أن يسألا أهل الاختصاص عن الإجابة الصحيحة لهذه الأسئلة الهامة:
* كيف لي أن أجمع بين رغباتي الشخصية وممارساتي الخاطئة التي أقترفها ولم أستطع بعد التخلص منها وبين تربية ولدي بطريقة مثلا أجنبه الوقوع فيما أنا متلبس فيه دون أن يحس بالازدواجية الضارة بين ما أقوله له وبين ما أفعله؟!
* إذا كان زمن السلطوية التربوية التي تعتمد الضرب والإرهاب والتخويف لا مكان لها اليوم في عالمنا الجديد، فما هو السبيل الأمثل للحوار الإيجابي الذي به أستطيع حماية ولدي من الاختطاف الخطير الواقع على كثير ممن هم في مثل عمره؟
* كيف لي أن أربي صغاري تربية دينية وسطية متزنة في زمن يعيش فيه الشاب بين تجاذبات أيديولوجية متعددة الكثير منها له بريق خاطف وشعارات براقة تدغدغ المشاعر وتحرك العواطف وربما سرقت ذي اللب وهو لا يعلم، فالشاب والفتاة بين السندنان والمطرقة، الإرهاب الذي يضرب على وتر الدين وواجب الجهاد ضد أعدائه وإعادة الخلافة الإسلامية التي تشرئب لها الأعناق ويتمناها المسلم دون أن يكون لدى منظريه وقادته ضابط شرعي وفقه شمولي ووعي حقيقي بمتطلبات الهدف وبمستلزمات المواجهة وبمتغيرات المرحلة، وفي المقابل التغريب القائم على الحرية المطلقة والانفتاح الكامل على الآخر دون ضابط ولا رقيب؟
* كيف لي أن أتعرف على جماعة الرفاق «الأصدقاء» الذين هم المؤثر الأقوى في شخصية ولدي المراهق، خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال الجديد جعلت بالإمكان أن يمد الشاب والفتاة جسور الود مع من يعيش خارج حدود بلانا الجغرافية وإن اختلف الدين واللغة والثقافة والجنس.. وما هي صفات الصديق المثالي الذي ينصح به في هذا الزمن الصعب.. ما هي الطريقة المثلى لتخليص ولدي من صداقات أعرف أنها ستضره وربما أوقعته في المخدرات وجرته لعالم التيه والضياع وهو يعتقد فيها النصح والأنس والوفاء؟
* هل من التربية أن أفتش دخل غرفة أولادي وأفتح هواتفهم النقالة وأجلس عندهم وهم يفتحون أجهزهتهم المحمولة ليمارسوا اللعب عن بعد لأعرف شيئاً عن عالمهم الخاص الذي لا يريدون أن أصل إليه، أم أن هذا سيعجل بالمواجهة بيننا التي ربما كان ضررها أشد؟
* ما هي مواصفات المدرسة التي ينصح إلحاق الأولاد بها، ومن هو المعلم الذي تبرأ به الذمة ويسقط عني باعتباري ولي أمر مسؤولية اختيار مربي ولدي ومؤدبه، وما هي الآلية التي ينصح بها للمتابعة والتواصل مع المدرسة حتى أعرف حاله واطلاع على وضعه أولاً بأول؟
* أوقات الفراغ التي ينعم بها صغاري تمثل عبئاً تربوياً ثقيلاً، وبعيداً عن المثالية في الطرح والتحليق في سماء التفاؤل، كيف لي أن أقيهم شر ويلات الوقت الطويل الذي هم جالسون فيه بلا شغل؟
* يلتقط الصغار من الأولاد ألفاظ وعبارات وربما سلوك وأفعال جراء زياراتهم المتكررة للأقارب ونتيجة جلوسهم مع أبناء الجيران، فكيف أجنبهم هذا الأمر دون أن أهز صورة أترابهم الذين يحيطون بهم ويأنسون معهم ولا أريدهم أن ينصرفوا عنهم فيعيشون لوحدهم بعيداً عن الخلطة والاجتماع؟
* قد تتعارض رؤية الأبوين التربوية وتختلف بين الأم والأب، فما هو الحل، وأيهما يقدم وتكون له الأولوية، وهل صحيح أن الأم هي المسؤول المباشر عن التربية داخل حدود المملكة الأسرية والأب يهدد به وينذر ويحذر و يلعب غالباً دور المراقب ولا يتدخل إلا عندما تعجز الأم أو يتطور الأمر ويصعب؟
سيل من الأسئلة هي بمثابة المفتاح للحوار والنقاش والمدارسة التربوية المتخصصة المفتوحة أتركها لكل ولي أمر ليفكر بها ويحمل هم الإجابة عليها ولا مانع من الاستعانة بصديق تربوي، ولم أجتهد هنا في الإجابة على أي منها لأنها أمور نسبية وليس لها إجابة قطعية ونهائية وتختلف من شخص لآخر وباختلاف البيئات والمنزل والكيانات الأسرية «ممتدة أو ذرية» والأحياء الأسرية و... ويبقى بعد بذل الجهد في التربية الإكثار من الدعاء لهم بالصلاح ذكوراً وإناثاً، فالولد الصالح هو رأس مال الإنسان الحقيقي وتجارته الرابحة، وثمرات هذه التنشئة الصالحة تبقى بعد الرحيل إلى عالم البرزخ «وولد صالح يدعو له» أصلح الله لنا ولكم النية والذرية وإلى لقاء والسلام.