يستحق الأستاذ محمد عبدالرزاق القشعمي التكريم الذي يقيمه الأستاذ عبدالمقصود خوجة هذا المساء في اثنينيته الشهيرة احتفاء بمسيرة مشرفة لهذا الرجل، الذي يمكن وصفه بأنه عاشق كبير للثقافة والتوثيق والمتابعة لكل صغيرة وكبيرة في الساحة الثقافية. هذا الرجل الذي قاده عشقه إلى الغوص في ملفات كثيرة علاها الغبار، وطواها النسيان؛ فخرج لنا بثلاثين كتاباً تؤرخ لمختلف جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية في بلادنا، وتسجل السِّيَر الأدبية لبعض أعلام الفكر والثقافة.
تقرأ في كتابه «بدايات»، الذي كان عنوانه من اختيار صديقه المرحوم الأديب المبدع عبدالعزيز مشري، الخطوات الأولى لقصة كفاح طويلة، بدأها الفتى الصغير الذي أبصر نور الحياة في الزلفي، ثم قادته قدماه إلى الرياض؛ ليكتشف الدنيا من حوله، وينطلق بعد ذلك ليجوب كل ركن وزاوية من وطنه، ويبني فيها صداقات أبدية مع شرائح واسعة من الناس، خاصة الأدباء والمثقفين وأهل الصحافة والفكر والإبداع.
في مؤلفاته الكثيرة تجد توثيقاً نادراً لجوانب غير معروفة، ولا تخطر على بال أحد. وقد أدهشني الرصد المثير ـ على سبيل المثال ـ لبوادر المجتمع المدني في المملكة في كتابه الذي أصدره قبل عامين تحت ذلك العنوان، فعرفت ما لم أكن أعرفه عن النقابات والجمعيات التي كانت لأصحاب المهن في الحجاز، والتي تشبه أحدث التنظيمات المهنية التي نسمع عنها في البلدان المتقدمة في الزمن الحاضر.
ومن خلال محمد عبدالرزاق القشعمي عرفنا تفاصيل توثيقية كثيرة عن حياة وعطاءات أعلام ورموز ثقافية مثل عبدالكريم الجهيمان وأحمد السباعي وعابد خزندار ومحمد العلي ومحمد صالح نصيف وسليمان صالح الدخيل وعبدالرحمن منيف وعبدالله الناصر الوهيبي، وغيرهم.
ومن خلاله أيضاً قرأنا نماذج من الكتابات الأولى لعدد كبير من الكتّاب والكاتبات السعوديين والسعوديات، وذلك في كتابه التوثيقي المطول «بداياتهم مع الكتابة». وقد قاده عشقه للتوثيق الثقافي إلى تقديم العديد من الكتب، مثل: «البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية»، و»بدايات الطباعة والصحافة في المملكة العربية السعودية»، و»رواد المؤلفين السعوديين»، و»تراجم رؤساء تحرير الصحف السعودية»، و»رواد الصحافة السعودية»، و»طه حسين في المملكة العربية السعودية»، و»معركة الشعر المنثور في الصحافة السعودية قبل نصف قرن». كما اهتم القشعمي بجوانب طريفة من التوثيق الثقافي، مثل تلك التي وردت في كتابه «إهداءات الكتب»، وكتاب «الأسماء المستعارة للكتّاب السعوديين»، وكتاب «الفكر والرقيب».
ومن أمْيَز ما يعرفه أهل الوسط الثقافي عن القشعمي وطنيته وحبه لبلده وأهل بلده، ذلك الحب الذي قاده عندما كان يعمل في القسم الأدبي برعاية الشباب إلى اقتراح سلسلة كتاب «هذه بلادنا»، والإشراف على إصدارها، وتسجيل التاريخ الشفهي للمملكة مع الرواد منذ أكثر من عشرين عاماً وحتى الآن!
تحية للأستاذ محمد عبدالرزاق القشعمي في يوم تكريمه المستحق، وتحية للأستاذ عبدالمقصود خوجة على مبادرته التي تُضاف لسلسلة مبادراته الكثيرة في اثنينيته التي أثرت حياتنا الثقافية على امتداد العقود الماضية.