إذا أردنا أن نعرف حقيقة الأمن الفكري، فلابد من تعريف « الأمن « و» الفكر « أولاً، فالأمن في اللغة: ضد الخوف، وفي الاصطلاح: اطمئنان أفراد المجتمع على أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم من التعدي عليها.
وأما « الفكر « في اللغة، فهو إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة المجهول، وفي الاصطلاح: جملة ما يتعلق بمخزون ذاكرة الإنسان من الثقافات، والقيم، والمبادئ الأخلاقية.
فالأمن الفكري إذن هو أن يكون الفرد والمجتمع آمنين مطمئنين على عقيدتهما، ومبادئهما، وقيمهما الأخلاقية من أن يعتدي عليها المعتدون الذين يحاولون النيل منها، إما بالدعوة إلى التحلل الخلقي، وترك التدين، ونشر الرذيلة، والبعد عن القيم والمبادئ، وإما بنشر الغلو في الدين، والدعوة إلى التطرف، والإرهاب.
وتكمن أهمية الأمن الفكري في أنه أهم خطوة في منع الجريمة قبل وقوعها ؛ لأنّ الأفعال - سواء أكانت صالحة، أم فاسدة - هي نتائج لأفكار وتصورات تسبقها، فإذا كان الفكر سليماً كانت التصرفات والأفعال سليمة جيدة، وإذا كان فاسداً مشوهاً، كانت الأفعال والأعمال أيضاً فاسدة.
ولا يخفى على الجميع أن من أهم ما يؤثر في الفكر، ويوجهه، ويغير ثوابته: وسائل الإعلام، وكان بالإمكان التحكم في كثير من وسائل الإعلام في الماضي، كالجرائد، والمجلات، والتلفاز، ومراقبتها، وتقويم ما ينشر فيها سلباً وإيجاباً وغير ذلك.
أما في ظل ما شهدته وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي من تطور هائل، ووقوع ذلك كله في أيدي عامة الناس من الشباب والشابات، والمتعلمين وغير المتعلمين، فأصبح مراقبتها، ومعرفة ما يجري فيها أمراً بالغ الصعوبة إلى درجة لم تكن تتصور من قبل، فأنت ترى الأبناء بوجود آبائهم وحضورهم يتلقون الرسائل والمعلومات عبر الجوال بواسطة الواتس أب، أو السكايب، أو التويتر، أو غير ذلك، والآباء لا يعرفون ماذا يتداول أبناؤهم، ومثل ذلك يقال في مدارس البنين والبنات، والأماكن العامة والخاصة.
وكل هذه المخاطر تستدعي من الجهات المختصة أن توليها أهمية كبيرة، وأولوية قصوى، بإجراء البحوث والدراسات المتخصصة، وإنشاء مراكز بحثية مستقلة، أو تابعة للجامعات، والمؤسسات المعنية بالأمر.
ومن أهم الوسائل - من وجهة نظري - مضاعفة الجهود في زيادة الوعي لدى المواطنين، ولدى الشباب بخاصة، بنين وبنات، وتبصيرهم، وإرشادهم؛ لأن الوعي ومعرفة مخاطر هذه الوسائل إذا استخدمتهم في غير الصالح، هو أهم الحصون لحماية الأمن الفكري؛ لأن المراقبة لتلك الأجهزة، أو منعها، أو منع الشباب منها، كل ذلك يكاد يكون مستحيلاً، وأخص في مسألة التوعية والتبصير:
أولاً: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من خلال الخطب، والمواعظ، والكلمات، والمحاضرات في المساجد والجوامع وحلقات تحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات. ويتحمل جزءاً من المسؤولية الأئمة والخطباء فالتوجيه ملقى على عاتقهم مع الوعي الكامل.
ثانياً: وزارة التربية والتعليم من خلال وضع مادة، أو إدخالها في أحد المناهج، تتحدث عن مخاطر استعمال هذه الأجهزة استعمالاً سيئاً، ويكون ذلك في جميع مراحل التعليم الابتدائي، والمتوسط والثانوي.
ثالثاً: وزارة التعليم العالي، من خلال الجامعات، والمعاهد التابعة لها.
رابعاً: وزارة الإعلام من خلال وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية.
والأمر من الأهمية بحيث ينبغي أن تتضافر الجهود على العناية به، فالوقاية خير من العلاج {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (64) سورة يوسف.