الرؤية السعودية واضحة حول الاحتمالات والبدائل، والمقوم الاقتصادي ترتكز عليه مقومات الاستقرار الأخرى. ويشكل وضوح الرؤى الوطنية مرتكز الانطلاقة نحو التخطيط السلوكي للهدف المنشود، ويظل مصدر الطاقة الأول «النفط والغاز» محل حماية وتطوير.
وتتجه البوصلة السعودية بالمؤشر باتجاه رؤية محددة لاختيار البديل الرشيد لإحلال الطاقة البديلة الملائمة بالتدريج باستباقية للزمن الحرج الذي تحدد مساره السيادة الوطنية، لتدخل منتجاتها من الطاقة الجديدة أسواق الطاقة قبل الوقوع تحت أي ضغط داخلي أو خارجي.
انطلقت في عام (1430هـ) (2010م) مسيرة مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز للطاقة الذرية والمتجددة لتؤكد أن اختيار بديل الطاقة كان مؤسسيًا. وإن رؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز واضحة وجلية حين أنشأ مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، لتنطلق من أهداف طموحة ومشروعات رائدة تستهدف رسم ملامح ريادة المملكة العربية السعودية في مجال الطاقة الجديدة واستخداماتها، ومن ثم ضمان استمرار شغلها مركزًا متقدمًا يجعلها ثابتة في الطليعة في هذا المجال كما هو ثباتها في مجال النفط والغاز. لتظل المملكة الأكثر أمانًا واستقرارًا والأعلى اقتصادًا والأكثر جذبًا للاستثمارات في مجال الطاقة وفي المجالات الأخرى.
التنمية المستدامة هدف وغاية لمدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، فالبرامج قائمة لتطوير مزيج من مصادر الطاقة الذرية السلمية والمتجددة، وبشكل مستدامًا يسمح بالحفاظ على مصادر المملكة الناضبة من النفط والغاز لأجيال المستقبل، وبتبني هذا الرؤية، فإن المملكة تدرك دورها المحوري كمصدر أساس للطاقة عالميًا، وعليها أن تضمن تدفق الطاقة باستمرار لترسم مستقبل سياسة المملكة ليست النفطية فحسب ولكن إستراتيجيات مصادر الطاقة وبدائلها، ومراحل التحول والانتقال بينها ضمن جدول زمني يتدرج فيه التحول بحسب اقتصاديات الطاقة واتجاهات السوق. الذي بحاجة إلى بناء مسارات ومؤشرات وقطاع طاقة جديد يعطي المملكة قيمة مضافة وقدرة تنافسية توازي النفط والغاز قد تكون «الطاقة الشمسية».
قضايا المياه والكهرباء والطاقة، أضحت اليوم واحدة من التحديات الأصعب التي تواجهها دول العالم، ومن ثم كيفية إحلال الطاقة النووية السلمية في هذه المجالات. تعكس أن الطاقات المستهدفة مرحليًا من قبل مدينة الملك عبد الله للطاقة الطاقة النووية السلمية، بهدف تطوير المنظومة المستدامة للطاقة في المملكة، بمراعاة بعض المتطلبات الأساسية كالتقليل من أقصى طلب على الطاقة، عن طريق تحسين كفاءتها والحفاظ عليها والفوائد العائدة من توفير الوقود الخام والقضايا المتعلقة بالإنتاج، مثل عوامل الحمل الإنتاجي والإدارة والتقنيات وإدراك حدودها، وكذلك القدرة على بناء موارد بشرية متخصصة، بالإضافة إلى تعزيز قدرة المملكة على توطين ممونات طاقة مناسبة ذات قيمة مضافة عالية. فالكثافة العالية للطاقة الشمسية في المملكة على مدار العام، والقدرة على استخدام الطاقة الجوفية الحرارية، وطاقة الرياح، والطاقة المحولة من النفايات، ستكون فرصًا اقتصادية مزدهرة للمملكة في كل قطاعات الطاقة المتجددة. إضافة إلى الاستثمار في الحلول التقنية والبحث العلمي والتنمية البشرية بالتعليم والتدريب داخل المملكة خارجيًا وداخليًا، ونقل المعرفة والخبرة للمملكة في مجال الطاقة الجديدة.
يضمن إنتاج مصادر الطاقة الجديدة انخفاض في استخدام النفط والغاز لإنتاج الطاقة وتحلية المياه، والكهرباء وبذلك توفيرها باستدامة لاستخدامها في الصناعات الهيدروكربونية أو لأغراض التصدير والتشغيل، وكمواد أولية تدعم الصناعة الوطنية المختلفة. الذي بدوره سيرفع كفاية التنمية الاقتصادية بفتح آفاق استثمارية جديدة وإتاحة فرص عمل واعدة للشباب تسهم في معالجة مشكلة البطالة، وتساعد في القضاء على الفراغ المفضي إلى الانحراف، وتعمل على مواجهة الثقافة الهامشية في الأحياء الشعبية والفقيرة بتحويل الطاقات البشرية السلبية إلى طاقات إيجابية من خلال تحفيز عنصر العمل المتخصص، مما يقف سدًا مانعًا أمام الاضطرابات ويرسخ الاستقرار الجاذب للمزيد من الاستثمارات الأجنبية في منظومة الاقتصاد السعودي.
ألقت أزمة النفط الحالية بظلالها على أسعار النفط التي انخفضت بشكل حاد، منظمة أوبك في اجتماعها الأخير فضلت عدم التدخل للتأثير على الأسعار وتركت الأمر لقوى السوق المتمثلة في العرض والطلب لتحديد الأسعار. ويبدو أن سياسة كسر العظم مسألة ضرورية لتحجيم الشركات التي تسعى لإفساد السوق، ولتضع الدول التي لم تحفظ الحقوق في حجمها الطبيعي بعد أن كانت توجه عائدات النفط لإشاعة الاضطرابات والفوضى في البلدان الأخرى لتعود إليها القلاقل إلى عقر دارها في ظل انخفاض الأسعار. إذا كانت تكلفة استخراج النفط تتراوح فيما بين (25) دولارًا، و(2) دولار في الحقول العملاقة للبرميل، وحتى في الدول التي تواجه صراعات فهو في مثل ذلك. فقد يكون السعر مناسبًا مرحليًا في حدود ما هو متداول (70) دولارًا، ومقبولاً إلى حدود (35) دولارًا لإخراج المنافسين وضرب الشركات اللاعبة، ويمكن إعادة جدولة بعض مشروعات التنمية الطموحة وتحمل بعض الخسائر على المدى القريب لاستعادة السيطرة على السوق على المدى المتوسط والطويل. وسيظل تأثيره محدودًا على المملكة مقارنة بدول أخرى، ويتضح أن منتجي النفط الصخري تعد النقطة الأضعف التي ينبغي التركيز عليها.
بدأت صناعة النفط الصخري بقوة منذ بداية (2010م)، وأنتجت شركات النفط الأمريكية النفط الصخري في مدة وجيزة وبكميات وفيرة، مما أزعج الدول النفطية في منظمة أوبك عامة والدول الخليجية خاصة لأنه بات يهدد نصيب هذه الدول في إمدادات أسواق النفط العالمي.
في هذا الإطار هل هناك جدوى من الاستمرار في إنتاج النفط الصخري في ظل انخفاض الأسعار، وهل يعد منافسًا حقيقيًا للنفط التقليدي؟
يبدو أن تكلفة إنتاج النفط الصخري تصل إلى (60) دولارًا، وفي حقول محدودة قد تصل إلى (40) دولارًا بتقنيات التكسير الهايدرولكي، والحفر الأفقي. ويظهر أن الصراع أصبح مكشوفًا بين منتجي النفط التقليدي، والنفط الصخري بعد أن أصبحت شركات النفط الصخري تتعرض لخسائر كبيرة، دخلت تجارة النفط حلبة صراع بين شركات إنتاج الصخري ومنتجي النفط التقليدي الذي تمثله «أوبك» في رسم سياسة السوق التي تحمل شركات النفط الصخري والمنتجون الآخرون الإخلال بالسوق وإغراقه، ويستمر الضغط على «أوبك» لخفض حصتها في السوق لتعزيز أسعار النفط، الذي سيذهب لصالح إنتاج النفط الصخري، إلا أن «أوبك» تركت التحكم لحرية السوق من خلال قوى العرض والطلب لتوجيه السعر، وهي بذلك نجحت مرحليًا مع تحمل بعض التبعات المالية.
تظل التوعية الجادة نقطة تحول في خفض استهلاك الطاقة محليا، إذ إن ثلث إنتاج النفط في المملكة يستهلك محليًا والاستهلاك متزايد حتى يستحوذ على نسبة عالية من الإنتاج ما لم تتم الدراسة بعمق، وحل أزمة النقل بقطرات سريعة بين مدن المملكة والدول المجاورة، وتطوير الطرق والقطارات الأرضية داخل المدن والتسريع في تنفيذ المخطط منها. وتطبيق إجراءات عملية لخفض استهلاك الطاقة، ويمكن البدء ببرامج بسيطة مثل الإعفاء من دفع قيمة فاتورة تكلفة الكهرباء لمن يثبت خفض استهلاكه، وإجراء مسابقة بين الأحياء في ذلك. وإطلاق مشروع أطفئ مصباح غرفتك للطلاب بالتواصل مع الأسر لنشر ثقافة ترشيد الطاقة لدى الأجيال الناشئة، وتخصيص جوائز تشجيعية لمن يقوم بذلك بعد التأكد من الأسرة بالالتزام بهذا السلوك، الذي بدوره يؤسس لمبدأ الانضباط وخفض الهدر الجاري في الطاقة، ويؤصل لمرحلة سلوكية تساعد في حفظ معطيات التنمية وبسط الاستقرار.
من المعلوم أن الخطة الخمسية العاشرة في المملكة قد أوضحت مصادر التمويل للخطة، وحددت قنوات تدبير الموارد المالية من مجالات محددة أبرزها رسوم الخدمات وعائدات النفط ومؤكد أن التقدير استهدف سعرًا معينًا للبرميل في الخطة الخمسية العاشرة. ولكن هذه الأزمة كشفت عن معطيات جديدة من بينها انخفاض وتذبذب أسعار النفط، ودخول النفط الصخري كمتغير جديد في ساحة اقتصاديات النفط. وبالتالي على المخطط إجراء مراجعة عاجلة تحاكي هذا الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط وتضع تقديرات أقل لسعر البرميل يسير في اتجاهات أزمة النفط الحالية واتجاهات الاستثمار في النفط الصخري، ومصادر الطاقة الجديدة الأخرى. في حين أن التخطيط الخمسي لم يعد صالحًا وهذه الأزمة كشفت عن عمق هذا التحدي، وخير شاهد على أهمية التحول إلى التخطيط السلوكي الذي يواكب مثل هذا التغير المفاجئ في سلوك الاقتصاد، والعمل على تحويل هذه الخطط الخمسية إلى مسارات إستراتيجية في كيان قيادي جديد يختص بالتنمية والبيئة تصهر فيه كافة الأوعية المعنية بالتخطيط في الوقت الراهن، مع إيجاد وكالة مختصة بالجهود الوطنية للتنمية الخارجية.
الاستثمار في خدمة الأمن والسلامة النفطية أضحت معطى مرحليًا مناسبًا يتطلب تطبيق كافة المعايير الدولية للشفافية والسلامة والأمن حماية للأفراد والكيانات، ويستوجب الاستثمار من خلال الخبرات التراكمية الناجحة في مواسم الحج والعمرة والمتمثلة في توفير الحماية والسلامة لكافة المجالات الحيوية بما فيها مصادر الطاقة. إضافة إلى الخبرة الثرية في مجال سلامة وحماية المنشآت النفطية، كل ذلك يعد مجالاً ملائمًا للاستثمار والمنافسة المجدية إذا أحسن توظيفه بقيمة مضافة تستقطب جزءًا من القوى البشرية الراغبة في العمل، خصوصًا العائدين من الابتعاث الخارجي، والذين إذا لم يتم احتوائهم في مثل هذه المجالات وغيرها سيكونون مصدرًا للاضطرابات وعدم الاستقرار.