إذا كانت التقنية قد نجحت في تهميش وربما إلغاء الرقابة الإعلامية فإن التقنية نفسها ربما تكون أصبحت الآن هي الأداة الشرسة التي تستخدمها جهاتٌ رقابية في دولةٍ ما عندما لا تعجبها مادة إعلامية وترغب في حجبها حتى لو كانت خارج حدودها الجغرافية!
نعلم أن هذا ما فعلته حكومة كوريا الشمالية عندما شنت حرباً معلوماتية على شركة سوني التي كانت تخطط لعرض فيلم اعتبرته كوريا الشمالية مسيئاً لزعيمها! وقد تابع العالم كله المناوشات الكلامية التي شارك فيها الرئيس باراك أوباما ومسؤلون من كوريا الشمالية بعد أن اعترفت الشركة بأنها قررت بالفعل عدم عرض الفيلم في الوقت الذي كان محدداً وهو موسم أعياد الميلاد وذلك بعد إلغاء عددٍ كبيرٍ من صالات السينما في الولايات المتحدة خططها لعرض الفيلم!
وعلى الرغم من أن الحكومة الكورية تعتبر أن الأمر كله تهمة مقصودة لا أكثر، فإن مجرد قرار شركة سوني عدم عرض الفيلم يثبت أن الرقابة لا زالت حية ترزق وأن التقنية التي غيرت قواعد اللعبة الرقابية صارت أداة طيِّعة بيد من يجيد استخدامها لفرض رغباته على الآخرين!
وما حدث بين شركة سوني والحكومة الكورية الشمالية يذكرنا بحقيقةٍ كثيراً ما ننساها وهي أن الولايات المتحدة التي انزعجت من سلوك حكومة كوريا الشمالية تتحكم بما نشاهده وما نتداوله من خلال الشركات الأمريكية الكبرى التي تسيطر على التقنيات المعلوماتية بأشكالها المختلفة والتي هي وسيلتنا في هذا الزمان لتلقي المعلومات.
لكن لتقنية لا يملكها الجميع بالتساوي. هناك من «يصنع» التقنية وهناك من «يستهلك» هذه التقنية. ونحن في هذا العالم العربي البائس ربما لا نجيد حتى استهلاكها! ولذلك نحن مجرد صفر على الشمال في صراع الكبار على التقنية وتسخيرها لمصالحهم. صحيح أن كوريا الشمالية ليست النموذج المثالي عندما يتعلق الأمر بالحريات وبرفاهية المواطن لكنها استطاعت أن تكون نداً للدول الكبرى في العديد من المجالات.
ونحن في العالم العربي لنا قصص طويلة مع الرقابة، وقد أصبحت التقنية في السنوات الأخيرة هي العدو الأول للرقيب العربي؛ لكن من يدري فقد تصبح هي صديقته الصدوق إذا استطاع أن يستنسخ التجربة الكورية في تسخير التقنية لأغراض الرقابة!؟