1. الدكتور طه عبدالرحمن مفكر وفيلسوف عربي كبير من المغرب.. خصص جزءاً مهماً من أبحاثه لموضوع «الحوار».. له كتاب في أصول الحوار وتجديد علم الكلام خلاصته أن (الأصل في الكلام الحوار.. وأن الأصل في الحوار الاختلاف).. وفَصَّل في هذا الشأن كتاباً كاملاً.. منطلقاً من مشتقات الحوار وهي: المحاورة والتحاور والحوارية.. حيث يرى أن (الحوارية) تقوم على مبدأ التعاون مع الغير في طلب الحقائق والحلول والمعارف واتخاذ القرارات.. و(التحاور) لا يقوم على الإكراه أو القمع بل على سبل الاستدلال التي تقود إلى الاقتناع.. وإذا اقتنع أصبح كالقائل بالرأي في الحُكْم.. أما (المحاورة) فهي تقوم على الاعتراض.. وغاية الاعتراض أن يرتقي المعروض إلى درجة التعاون في إنشاء نظرية مشتركة تحقق الإقناع لطرفي الحوار.
2. في مكالمة هاتفية طويلة مع الدكتور طه تحدثنا عن الحوار كفكر.. وكان لا بد من التطرق إلى «مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني» فهو المركز الوحيد في مجاله على حد علمه وعلمي في العالمين العربي والإسلامي.. شدد الدكتور طه على أن من أوجب واجبات مركز الحوار (أن يدعو إلى بقاء الكلمة حرة والفكرة حية).. استحيت أن أقول له: إننا ما زلنا في مرحلة التعريف بالحوار وأهميته ومعناه وفوائده ونتائجه وعواقب التهاون فيه.. وأن الحوار لا يزال يواجه سوء فهم مجتمعي مع إصرار من بعض أفراد المجتمع على مقاومة فكرة الحوار لجهله بها.
3. وقفت مشدوهاً أمام هذا المفكر الذي تجاوز السبعين من عمره وهو يبكي ما آل إليه حال العرب والمسلمين بسبب فشلهم في الحوار وأنه لم يعد للعرب ولا للمسلمين أي شأن أو اعتبار لدى الغرب.. يقول الدكتور: دعك من الكلام الدبلوماسي.. فالغرب يعلم أنه يستطيع أن يوجه شعوبنا ويحركها أينما شاء وكيفما شاء ومتى شاء لغياب ثقافة الحوار بين مكوناته من نخب وعامة.. لذلك لا يحترمنا الغرب وحق له ذلك.
4. تحدث أيضاً عن الأثر الذي يمكن أن تُحْدِثه مراكز الحوار.. والتأثير الذي يمكن أن تتركه في نفوس الناس ومفاهيمهم وكيف أنها يجب أن تبني نظرية إسلامية في القيم.. فنحن اليوم نتلقى القيم من الغرب وننصح أبناءنا بالاقتداء بهم بعد أن توارت لدينا القدوات والمثل العليا.. ومن خلال مراكز الحوار يجب أن تتاح للناس الصادقين في نواياهم فرصة الكلام الحر الصادر من القلب والعقل.
5. ثم وجه نصيحته للمجتمع السعودي قائلاً: «اسعوا ليكون الحوار قيمة وثقافة.. فلا حياة ولا انبعاث ولا عطاء إلا بهذا.. ولم يبق للمواطن العربي إلا مثل هذه المؤسسات عساها أن تخرجه من العتمة الذي أُدْخِل فيها قسراً وأُغْلق عليه الباب فصار سوداوي التفكير إقصائي الهوى عنيف السلوك دموي المزاج».