منذ سنوات معدودة اهتز البيت العربي هزة قوية موجعة سمع بها وأحس بأثرها وقوة فاعليتها من في المشرق والمغرب، وكادت رياح التغيير الناجمة عن هذا الزلزال تعصف بهذا البيت الآمن وتأتي عليه من القواعد.. واختلف المحللون في نظرتهم لما حل بعالمنا العربي من أحداث وما اعتوره من ثورات، كما تباينت مواقفهم الرسمية والشعبية الداخلية والخارجية بين مباركٍ ومصفق وآخر رافض ومعنت وثالث منتظر ومتوجس، وكثر الحديث عن سر هذه الثورات الطامحة للتغيير.. ترى هل هبت رياحها من داخل البنيان العربي أم أنها خارجية جاءت بعد تخطيط مدروس وعمل مسبق ضمن مشروع عالمي أطلق عليه من قبل صناعه بـ «الفوضى الخلاقة».
بعد كل هذا العراك والصدام الذي ولد وجلب معه كل ما يتصوره العقل البشري من الدمار والخراب، والفوضى والفقر، والتشريد والتقتيل، والأسر والتفجير، وانتهاك الأعراض وتيتيم الأطفال.. أقول كان لابد بعد كل هذا الزلزال المدمر من رجل فذ ورمز مخلص وإنسان صادق يعيد التوازن ويجمع الكلمة ويوحد الصف ويبذل جهده لتأليف القلوب ورأب الصدع وتطييب النفوس.
المملكة العربية السعودية ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي عرف حبه للخير وسعيه له بكل السبل وفي جميع المواقف والمنعطفات انبرى لهذا الأمر بكل شجاعة وقوة فكان أن وقف مع مصر الحبيبة في محنتها المعروفة وأعاد لهذا البلد العربي العزيز قوته وهيبته ووزنه في المنطقة، قلب الموازين وأوقف المد الغادر وأسكت الأفواه المجاهرة بالكره المحتقن في القلوب.. ها هو اليوم بعد أن أصلح البيت الخليجي وأعاد البسمة والتفاؤل للمواطن في هذا الجزء الغالي من عالمنا العربي، تكون منه رعاه الله المبادرة التاريخية بمصالحة مصر العربية مع قطر الشقيقة.
لقد صفق العربي المحب لأهله، الفخور بأصله، المعتز بذاته، المدافع عن دينه وماله وأرضه وعرضه، لمبادرة المليك الخيرة بل إن الإنسان المنصف أياً كان وفي أي مكان يعيش سيسجل لعبد الله بن عبد العزيز قدرته على قلب الأوراق وتغيير الخطط وإعادة رسم السياسات المبيتة من جديد والتي كان يراد منها وبها الإتيان على هذا البيت العزيز من القواعد حتى يخر على العربي سقف داره بفعل من داخله ممن يعيشون معنا في هذا الكيان العزيز.
إن ما قامت وتقوم به المملكة العربية السعودية منذ بداية ما أطلق عليه زوراً الربيع العربي بل من قبل يدلل ويؤكد ويبرهن لكل مشكك ثقل السياسة السعودية ورسوخها وعمقها وقدرتها وقوة تأثيرها في المحيط الخليجي والعربي والإسلامي بل حتى العالمي، وما يحدث اليوم من تحويل ما يمكن أن يطلق عليه نكسة وفشلٌ وتمزقٌ وتفرقٌ عربي إلى نجاح في جمع وتوحيد ورص للصف العربي يكاد يجزم أن ما نعيشه اللحظة سيكون بإذن الله تمهيداً لاكتمال لبنات البناء العزيز بانضمام الباقي من عالمنا العربي تحت المظلة العربية الواحدة وما ذلك على الله بعزيز.
لقد كان الكل ينتظر ما بقي من سيناريو التفكيك والهدم ومن ثم إعادة رسم معالم الخريطة المنتظرة للشرق الأوسط الجديد، ولكن مشيئة الله وإرادته ثم وجود قيادة سعودية فذة حكيمة جعلت من الأحداث وقوداً لتحفيز الهمم وتعزيز الإرادات وبعث الآمال والطموحات في إيجاد أمة تدرك الخطر وترقب المستقبل بعيون الحذر وتوقن أنه لا سبيل للبقاء فضلاً عن العزة والرفعة والتأثير والفاعلية العالمية إلا بالتكتلات والصف الواحد إزاء عالم لا يعترف إلا بالأقوياء ولا يعرف إلا لغة القوة.
إن علينا نحن الشعوب كل فيما هو في مقدوره وفي دائرة اهتمامه ومسئولياته أن ندعم المسيرة ونسير وراء قياداتنا التي تعمل جاهدة لوجود عالم عربي آمن ومطمئن ترفرف على ربوعه راية السلام وينعم قاطنوه بالأمن والأمان ولا ننسى هؤلاء الذين يعملون من أجلنا وفي سبيل عزتنا ورفعتنا وسلامتنا نحن وأبنائنا من الدعاء فضلاً عن الشكر والثناء، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.