يصعب على الوالدين رؤية أبنائهم، نتاج تربيتهم وهم يتخذون مسارات لا يرتضونها، فكيف لبذرتهم التي زرعوها في بواطن قلوبهم، وسقوها بأدمع أعينهم، ورعوها بخلجات صدورهم وأنين أرواحهم أن تقسو عليهم بعد هذه التضحيات، تلك البذرة بالنسبة لهم هي كالدرة المصونة التي طالما نظروا إليها وهي تتلألأ وتشع يوماً بعد يوم،
عاصروا تألقها وبريقها لحظة بلحظة وساعة بساعة ويوماً بيوم، كلما خفت بريقها وبهت نورها، سارعوا في تلميعها وصقلها وأحاطوها بالحماية والمحبة والرعاية والرحمة لتعود وتسطع من جديد. إن العطاء الوالدي مطلق وغير مشروط، هو شعور لا يُوصف، حيث يتجلّى الحب وتستحكم الرحمة القلوب بدون أي مقابل، هي رسالة قدرية للأبناء لتعليمهم أن العطاء ليس له حدود وأن أجمل عطاء هو مشاعر الحب والرحمة والعطف والتسامُح إلى أن يتعلّم الأبناء هذا الشعور ويصبح متبادلاً. قد يأتي هذا الشعور المتبادل متأخراً من الأبناء تجاه والديهم وخصوصاً بعد أن يخوضوا تلك التجربة الوالدية، فيقولوا مثلما نقول دائماً وأبداً»رحم الله والديَّ».
في الغالب لا يعي الأبناء ما يفعله الوالدان تجاههم فهم يمرون بمراحل عمرية مختلفة جسمياً ونفسياً، ولكن يظل الوالدان يدورون في فلك الأبناء يعايشون أفراحهم وأتراحهم، فأبناؤهم عالمهم ونتاجهم، يفرحون لتألقهم ويتألمون عندما يخفت بريقهم ويتكبدون المعاناة. وعندما يكتمل تألق الدرة وتبدأ بالإشراق واللمعان، ينظر إليها الوالدان بفخر واعتزاز، فهذا التألق نتيجة عنايتهم ورعايتهم وحبهم وعطفهم وسهرهم الليالي على حمايتها، إنهم لا يرتجون منها سوى إشراقها الذاتي وتألقها لتضيء ما حولها وتبث ما ارتوت به من عطف وحب ورحمة وتسامح فيكونوا في أوج اعتزازهم بالمشاعر المغروسة المتبادلة فتنبض قلوبهم وتتجلى أرواحهم. إن وعي الأبناء بعطاء والديهم يشعل في داخلهم تلك المشاعر بدون البحث عن مقابل، فإيقاظ وعيهم هو مفتاح قلوبهم وعقولهم.