تتقاسم رداءة الحافلات، وسوء الطرق، وتهور السائقين أسباب الحوادث المرورية التي تذهب ضحيتها أرواح الطالبات والمعلمات بشكل يومي، يُنشر بعضها في الصحف وكثير منها يبقى طي الكتمان.
والملاحظ تحول حوادث المعلمات إلى ظاهرة مقلقة، وهو ما يتطلب سرعة حلها ليس بالمسكنات مثلما عمدت وزارة التربية والتعليم بتقليص أيام الدوام لثلاثة في الأسبوع، فالأسباب قائمة طالما كانت تلك السيارات المهترئة تسير في نفس الطرق السيئة ذات المسار الواحد، ويقوم سائقوها المتهورون بإخلائها من المقاعد لتستوعب أكبر عدد من المعلمات!
ولست أدرك سبب تخلي وزارة التربية والتعليم عن شرطها بوجوب توفر الإقامة بمقر العمل في القرى والهجر التي تم فيها التعيين والتوجيه، وهو ما ينبغي التأكيد عليه ضماناً لسلامة المعلمات.
وعلى جانب آخر يجب على إدارات المرور النهوض والقيام بمتابعة المركبات المعدّة لنقل الطالبات والمعلمات، من حيث وسائل سلامتها ومنع إزالة المقاعد الأساسية للمركبة، والإشراف على مدى استيعابها لأعداد الركاب، وكفاءة سائقيها للقيادة وتطبيقهم للأنظمة المرورية، وتقيّدهم بالسرعات النظامية على الطرق الخارجية والداخلية، على ألا تكون هذه المتابعة وقتية ومرتبطة بحصول الحوادث المتوالية خلال هذه الفترة.
ولاشك أنّ حوادث السير تشكِّل هاجساً لدى كل معلمة مضطرة لترك أسرتها والخروج من منزلها قبل أذان الفجر، والعودة بعد العصر مع ما تواجهه بطريقها من صنوف المفاجآت ابتداءً من حوادث الطرق السيئة وتحمّل وعثاء السفر والتدريس بمدارس بدائية تغص بالقوارض والحشرات والأفاعي التي تعرّض حياتهن للخوف والخطر.
وكلنا نؤمن بأهمية تعليم بنات الوطن في كل نواحيه وأطرافه، ولكن أن يكون المقابل فقدان معلماتهن وموتهن فهي مكاسب ناقصة بل هو النقص بعينه! وينبغي السعي لطريقة أجدى، مثل جمع مدارس الهجر المتقاربة في الهجرة الأكبر أو مركز واحد متكامل الخدمات الأساسية، بحيث تُلزم المعلمات بالسكن مع بعض ذويهن، أو يتم تأمين سكن جماعي ملائم لهن وتوفير مواصلات أسبوعية مناسبة بإشراف وزارة التربية والتعليم تليق بمكانتهن وتحفظ كرامتهن وتضمن سلامتهن مع ضرورة تحديد مدة اغترابهن بسنوات معينة.
إنّ وضع المعلمات الراهن حوَّلهن من مناضلات في سبيل العيش الكريم، إلى شهيدات تتضوع دماؤهن على الطرقات، وتسقي صحراء وطن لا يفتأ يبكي على ذهاب كل نفس زكية تصعد روحها للسماء وتسقط دونها كل الحلول.