* الحديث من داخل السجن وعنابره، عن تجهيزاته ومرافقه، عن المشرفين عليه ونزلائه، عن برامجه ودوراته، ومن المؤكد أن المشاهد غير السامع، فالأخير عرضة للطعن والتأويل، والقيل والقال. محطة القلم (سجن الحاير)، ومركز الأمير (محمد بن نايف) للمناصحة والتأهيل الاجتماعي والثقافي.
* سأتناول بإيجاز عناصر ثلاثة: مشرفين على تلك الدوائر الإصلاحية، وخدمات ومرافق عامة، ونزلاء ألفوا واقعهم وتآلفوا معه.
* لم أستشف ـ والله شهيد على ذلك ـ مايشي عن نبرة انتقام، أو استهزاء، أو سخرية من أولئك المشرفين على تلك المحاضن، وهم يتحدثون عن إدارة شوؤن النزلاء، والتعامل مع قضيتهم، ومكونات فكرهم، ووسائل صناعته، بل نلمس أسى وأسف تصل إلى الشفقة على أولئك، وضحالة فكر بعضهم، وضيق في المدارك أفضى بهم إلى الوقوع ضحية لقوى أجنبية استمالتهم من حيث لا يعلمون، وجرتهم إلى شبه أعمت بصيرتهم عن الحق.يكاد الجميع يتفق أن بعض الأفكار الدخيلة مررت على البعض بغفلة من الأسرة، وضعف استدراك أو انتباه من محاضن التعليم بمراحله المختلفة، وكذلك الشأن من المؤسسات الدينية التي يعول عليها في جوانب الإصلاح.
* من سلوك المشرفين على تلك الدوائر نستشعر قوة إرادتهم. وعزيمتهم الصادقة في مجابهة الحرب الممنهجة التي تشن على بلادنا على أكثر من محور، وبأساليب عديدة، بل وحرص شديد على إيصال تلك الرسالة لكل مواطن غيور على دينه، ومجتمعه، ومقدرات وطنه.
* أما عن النزلاء وهمومهم ومشاعرهم، فمن الطبيعي ألا يخفي السجين أمله في الانعتاق من السجن وقيوده، واستنشاق أجواء الحرية المطلقة التي ينشدونها، بل لا تستغرب أن تجد من لا يعترف بخطيئته، قد ينطبق على بعضهم قول الشاعر العربي:
لا يدخل السجن إنسانًا وتسألهُ
مابال سجنك؟ إلا قال مظلومُ
* مع ذلك، فهم بالعموم يشكرون ويذكرون ما يلقونه من رعاية واهتمام، وتفهم كامل من المسؤولين لظروفهم الإنسانية والاجتماعية، وقد تكون تجربة بعضهم الصعبة خارج هذا الوطن، وفي مناطق الصراع التي خرج لها زاد من استشعاره بحرص حكومة هذا البلد على حفظ حقوق المواطن، مهما زلت به القدم، طالما أنه استدرك على نفسه فداحة الخطأ الذي ارتكبه بحق مجتمعه ووطنه.
* هناك هم لهم ورجاء في الوقت نفسه أن يكون بين الجهات ذات العلاقة بقضيتهم درجة أكبر من التنسيق والاهتمام والمتابعة المستمرة، وإن كان ذلك الطرح من البعض لايؤيده الواقع في كثير من الأحوال، فجميع الجهات ذات الصلة بقضيتهم لهم من يمثلهم، ويتابع شوؤنهم داخل السجن. هناك مطلب آخر يتصل بأسلوب المناصحة التي نلمس اهتماما بها من القائمين عليها، حيث يرى بعض النزلاء أن الأسلوب الوعظي الذي لايتجاوز بضع دقائق لا يبقى له كبير الأثر كما هو الشأن في الدورات الطويلة التي تلامس مجالات فكرية وثقافية، ومهارية متنوعة، والتي هي بالفعل مطلب أساسي، وبالذات لمن هم داخل السجن.
* أما عن الخدمات والتجهيزات العامة للسجن التي تقدم للسجين فلا أعتقد أن هناك ما يماثلها في أي مؤسسة حكومية، فما أن تطأ قدم النزيل بلاط السجن إلا ويستقبله طاقم طبي مؤهل للكشف عليه، وآخرون لاستلام ما لديه من أمانات. في السجن مستشفى متكامل يضم كافة التخصصات، ومكاتب متعددة، لحقوق الإنسان، والعدل، والغرف التجارية، والبنوك، والتحقيق والادعاء، والتعليم العام والعالي، ووسائل الاتصال المرئية والمسموعة.هناك الشقق المؤثثة لاستقبال الزائرين، والملاعب الخاصة لمن يصطحب معه أطفاله للزيارة، لاشيء يمكن أن ننقله للقاريء سوى أن نقول إن السجن في الحقيقة ليس هو مجال الإصلاح فحسب، بل الإصلاح والتوجيه مطلب كبير من جميع مؤسساتنا، ممن لهم صلة بالفرد وثقافته.