استأثر قطاع التعليم والتدريب بما تصل نسبته إلى 25 بالمائة من الميزانية الجديدة (2015)، وهي نسبة تفوق ما تم تخصيصه لعدة قطاعات مجتمعة. ويمكن ملاحظة الارتفاع المستمر في المبالغ التي تم تخصيصها لهذا القطاع سنةً بعد سنة حتى وصل في الميزانية التي تم الإعلان عنها يوم الاثنين الماضي إلى مبلغ 217 مليار ريال، وهو ما يساوي ميزانية كاملة لبعض الدول في عالمنا العربي وبعض الدول الأخرى.
بموازاة هذا الإنفاق الحكومي الهائل على التعليم والتدريب، ينفق المواطنون أيضاً من جيوبهم الخاصة أموالاً طائلة على تعليم أبنائهم وبناتهم في المدارس الأهلية التي صارت استثماراً مربحاً لرجال الأعمال بسبب الإقبال الكبير من المواطنين.
من المؤكد أن قطاع التعليم والتدريب يستحق هذا الاهتمام، فالتعليم هو ركيزة التنمية ويأتي في مقدمة عناصر الاستثمار في رأس المال البشري، لكن المبالغ المالية التي تُنفق عليه ليست كافية لوحدها لضمان تحقيق التنمية المنشودة، فمن تجارب العديد من الدول النامية، ثبت أنه قد يتم إنفاق أموال هائلة لتكريس تعليم متخلف لا يصنع تنمية حقيقية. ولذلك من المعروف في أدبيات التنمية البشرية أن العائد المالي التنموي من الاستثمار في التعليم ليس مرتفعاً في جميع الحالات، بل إن التوسع في التعليم غير المناسب قد يؤدي إلى رفع معدل البطالة بين المواطنين وإلى مشكلات اقتصادية واجتماعية كثيرة!
لذلك نحن نفرح حين يتم اعتماد ربع الميزانية للإنفاق على التعليم والتدريب، لكننا نتمنى أن يواكب ذلك تقدم في مستوى مخرجات التعليم والتدريب، من خلال تحسين المناهج التعليمية والتدريبية. وقد راكمنا خبرة طويلة، وتجاوزنا مرحلة التجريب، بل يمكننا أيضاً الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة التي حققت نتائج تنموية كبيرة، مثل تجربة سنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرهما. والمطلوب هو أن نرتفع إلى مستوى تلك التجارب الناجحة التي سبق أن اطلعت عليها الجهات التعليمية والتدريبية السعودية الرسمية من خلال وفود تم إرسالها إلى تلك الدول.
هناك نقاط مضيئة جداً مثل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وبعض التجارب الأخرى وبخاصة في مجال التعليم العالي. لكن الفرق الشاسع بين الواقع الذي نعيشه وما رسمته خطط التنمية المتعاقبة يبرهن أن هناك حاجة ماسة لتطوير التعليم والتدريب من خلال مناهج حديثة متطورة، وإن الإنفاق المالي المرتفع لوحده لا يصنع بالضرورة تعليماً وتدريباً جيدين.