معظم من يقرأ تحولات هذا الوطن، ويتنبأ بالعناصر والكفاءات القادرة على محاربة التخلّف والفساد فيه، يرى أن المرأة لها دور مهم في ذلك، مما يعني أن منحها صلاحيات أكبر، في إدارة شؤوننا، قد يجعلها تؤدي دورها على أكمل وجه، في العمل بنزاهة وضمير، ولا يعني هذا التقليل من نزاهة الرجل وأمانته، لكن الشواهد تثبت غالباً أن ضمير المرأة، وإيمانها بمبادئها، يجعلها أقرب إلى الوقوف ضد الفساد، أو على الأقل، ألا تكون أحد العوامل الفاعلة فيه.
فقد تم عرض تقرير عن مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون، على أعضاء مجلس الشورى، بكل ما فيه من خيبات وفشل، مما أصاب عضوة مجلس الشورى، استشارية طب العيون الدكتورة سلوى الهزاع، بحالة اكتئاب، وقالت: إن خدمات المستشفى المتواضعة فاقمت أمراض العيون لدى المواطنين، وتسببت بالعمى... ما يجري في المستشفى أمر مخزٍ!
واتهمت الهزاع إدارة المستشفى بالتضليل والفساد، بسبب صرف الملايين على تعاون وهمي مع جامعة جونز هوبكنز التي ترسل لهم أطباء متقاعدين أو من جنوب إفريقيا... وعند المحاسبة على الأخطاء الطبية، يُحاسب السعوديون، أما أطباء هوبكنز فعلى رؤوسهم ريشة!
كلام مهم وخطير، يكشف جزءاً بسيطاً من فسادنا المالي، وسبب تأخرنا، وتخلفنا المرير، ننكر على من يبارك بالسنة الميلادية الجديدة، و(نتقعّد) له، بينما نتجاهل فساد قطاعاتنا الطبية والخدمية، فأن ينتظر المريض سنتين كاملتين لإجراء عملية جراحية بسيطة في العين، هو أمر غير مهم، وأن يفقد بصره إما بسبب تأخر العملية، أو بسبب خطأ طبي فادح، هو أيضاً أمر لا يعنينا، لكننا نتوقف طويلاً عند صغائر الأمور، والمسائل الشخصية التي ترتبط بالشخص نفسه، ولا أثر لها على غيره!
كما شاركتها عضوة المجلس، الدكتورة خولة الكريع، التي كرَّمها خادم الحرمين الشريفين بوسام الملك عبدالعزيز، بقولها إن المصائب نفسها تتكرر منذ اطلاعهن على هذا التقرير لأول مرة عند تعيينهن، وفيما يتعلّق بالفساد المالي تحدثت عن ارتفاع دعم البحث العلمي من مليون إلى 11 مليون ريال، بينما ما يستحق لقب البحث العلمي هي ستة بحوث فقط من بين 41 بحثاً ليست ذات قيمة علمية!
نحن بحاجة إلى شجاعة سلوى وخولة، وإلى وجود مثيلاتهما في المجلس، وفي مختلف القطاعات الطبية والتعليمية والخدمية، وهما بحضورهما وشعورهما بالمسؤولية الوطنية، تجعلانا ندرك قيمة دخول المرأة في مجلس الشورى وأهميته، ونتمنى أن تدخل أيضاً مجلس الوزراء، وتتسلّم قريباً حقائب وزارية ذات علاقة باهتمامها، لأننا في مرحلة الشفافية التي نعيشها، بحاجة إلى مسؤولين نزهاء، يحملون هموم الوطن والمواطن على عواتقهم، لا تقر لهم عين ما لم يعالجوا مكامن الخلل، ها هي سلوى تطالب رئيس الجلسة بإكمال مداخلتها لكي تستطيع النوم ليلاً!
شكرًا سلوى، شكرًا خولة... كثّر الله أمثالكن.