تاريخياً كانت التجربة الانتخابية في المملكة قديمة في الجامعات قبل إلغائها، كما أنها استمرت وترسخت بشكل جزئي في الغرف التجارية وإلى حد ما تأخذ خطوة للأمام وأخرى للخلف في الجمعيات العلمية والمهنية. لكن أبرز التجارب الحديثة طبّقناها في مجالس البلديات (وليس المجلس البلدي) وفي اتحاد كرة القدم باعتبار الأولى جاءت عامة وشعبية والثانية مست جهة ذات صخب إعلامي وشعبي كبير.
انتخابات مجالس البلديات قضي على زخمها وأهميتها عبر منحها صلاحيات هامشية وعبر تأجيلها وعدم انتظامها، حتى ملَّ الناس انتظارها وأصبحت مثار تندر، بل إنها أصبحت مدخلاً لنقد أية تجربة انتخابية ممكنة فما أن يقترح انتخابات مجلس الشورى أو مجالس المناطق، وهي الأولى بالانتخاب من مجالس البلديات، حتى يتندر الناس وهل تريدها مثل مجالس البلديات؟ التي لم نلمس نتائجها وأنتجت قوائم غير فاعلة من وجهة نظر المنتقدين الذين لا يبحثون في العمق ليجدوا أن العيب في المهام والصلاحيات وليس في نظام الانتخاب أو في المنتخبين.
انتخابات اتحاد كرة القدم، كانت الأنضج حيث تمت تحت مظلة منظمة دولية - الفيفا- وكان التنافس فيها على أشده وشكلت اتحاداً تحت مجهر النقاد وفي فوهة بركان التنافس الكروي بأساليبه المباشرة والملتوية والصاخب بالنقاد والمتعصبين والمشجعين. هذا الاتحاد بغض النظر عن تفاصيل عمله اليومي وتواضعه الإعلامي شكَّل بذرة التنظيم المؤسسي الأهلي للرياضة السعودية. وكنا نأمل أن يكون البداية التي يقتدى بها في الاتحادات الرياضية الأخرى وفي اللجنة الأولمبية وفي الأندية الرياضية وجميعها جهات تعنى بالعمل الشبابي الموجه للفئة العمرية الأكبر في المملكة والموجه للأجيال الصاعدة التي يمكن من خلال الرياضة إكسابها مفاهيم العمل الأهلي المنظّم وآليات احترام صناديق الاقتراع. كنا نأمل ذلك، ولكن يبدو أن الرياح تسير نحو إسقاط هذا الاتحاد المنتخب ليفرح محاربو الانتخابات. لقد تجاوز الضغط على قيادات الاتحاد المنتخب تعصبات المدرج إلى ضغط بعض المسؤولين عليه بالتندر على معاملاته المالية والتلويح بأن ما منح من الحكومة كان مجرد قرض باسمه وغير ذلك؛ وكان ذلك خلال بطولة كروية يمثِّل فيها المنتخب والاتحاد البلاد، بل إن هذا التكسير المعنوي للاتحاد المنتخب سهل تطاول آخرين من خارج الوطن عليه، بعد أن كانوا لا يتجرأون على ذلك.
هي أمثلة لكيفية تعاملنا مع تجربة ديموقراطية حقيقية أولى، فلا تدري هل نحن لا نجيد الانتخابات ولسنا قادرين على منحها الوقت الكافي للنضج أم أننا نحاربها ونخاف نضجها؟ بل إن البعض يرى أننا نقدِّم قرابين الفشل للتجربة لنهيئ الأرضية لرفض أية تجربة مستقبلية ولنقنع الناس بأننا نختلف عن غيرنا من أمم الأرض المتقدّمة؛ لا تصلح لنا الانتخابات والمشاركة والتمثيل عبر آليات الاقتراع المتعارف عليها!
قد أعذر رجل الشارع وقد أعذر الرياضي الذي يمثِّل المدرج المتعصب، لكنني أستغرب صمت أو مشاركة المثقف في زفة خنق كل تجربة انتخابية، بدءاً من المجالس البلدية، الهيئات المهنية، الأندية الأدبية، الاتحاد الرياضي وغيرها. اختفى الصوت الواعي المدافع عن التجربة والداعم لها وأصبح الكل جلاَّد وناقد ومشارك في تكسير التجربة وتهميشها. أين ذهب أدعياء الثقافة والتحديث والتطوير وغيرها من المصطلحات الرنانة؟ لماذا لا يصمد الفكر الإستراتيجي المستقبلي في وجه القصور الآني؟ لماذا نحكم بفشل الانتخابات لدينا لمجرد صعوبات يواجهها مجلس أو اتحاد أو فرد في تجربة سنة أولى؟