حاجة الشعوب للقادة الذين يتولون ضبط بوصلة المجتمعات، ويوازنون الأمور، ويصدر عنهم القرار في النهاية بعد المشاورات والمداولات أمر مفروغ منه، ولا يحتاج إلى كثير بيان، بل ربما يكون هذا الأمر - في ظني - من الأمور المعلومة بالضرورة، ولكن ما يحتاج إلى إيضاح وبسط في القول هو «أهمية الرموز في الأمة» الذين يتجاوز دورهم في حياة الشعوب والمتعلمين وأهل الدار مجرد كونهم قادة إلى نفوذ أثرهم الشخصي إلى داخل مكنونات الذوات، ويتربع حبهم بين الحنايا، ويتسابق الأتباع لتلبية رغباتهم وتنفيذ توجيهاتهم، ليس خوفاً أو طمعاً ولكن اتباعاً وانقياداً يقيناً منهم أن ما قالوه وذهبوا إليه فيه الخير والصالح العاجل والآجل على المستوى الشخصي والمجتمعي.
لقد تذكرت وأنا أفكر في أهمية هذه الرموز في التنمية والإنجاز والعطاء والبناء، حتى وإن كانت في أضعف حالاتها فضلاً عن كونها ميتة ولم يعلم بموتها الأتباع، ما كان من الجن مع سليمان عليه السلام الذي كان واقفاً بين ظهرانيهم متكئاً على عصاه، ومات وهو على ذلك ولم يعلم بموته أحد، وظل الكل يعمل بين يديه حتى سقط جراء أكل دابة الأرض مِنسَأتَه - كما حكى لنا الله عز وجل ذلك في سورة سبأ، ولك أن تتصور كم من الزمن كان هذا المشهد الذي يدلل على أهمية وجود هؤلاء الرموز أصحاب النفاذ في ذوات الأتباع؟.
هذه الكاريزما -الجاذبية الكبيرة والحضور الطاغي- التي يكون بها القائد أو العالم أو الأب أو... رمزاً عصياً على المخالفة هي منّة وهِبة من الله عز وجل يجعلها في من شاء من خلقه ممن منحوا صفاء القلب وطهارة النفس وصدق العبارة وفيض الحب على القريب والبعيد، الصغير والكبير الذكر والأنثى.
وإن عد هؤلاء الرموز من بين قادة الأمم في عالمنا المعاصر فإن على رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز «حكيم العرب» الذي جمع ذلك كله فعاش في قلوب الناس وارتسمت صورته بين عيونهم وترددت كلماته في آذانهم فصاروا كأنهم أبناؤه الذين لا يمكنهم تصور العيش بدونه يوماً ما - لا سمح الله- ليس داخل حدود المملكة العربية السعودية بل خليجياً وعربياً وإسلامياً وحتى عالمياً، ولذا كانت التغريدات والكتابات والسؤال عنه - حفظه الله وشفاه ورعاه - تهب من جميع جهات الأرض الأربع.
لقد كان لخبر مرضه الأربعاء الماضي وقع شديد على النفوس، وأثر كبير في القلوب، فتسابق الملايين يسألون عنه ويتحرون كلمات تطمئنهم وتبشرهم على رمزهم المحبوب، وما أن جاء البشير حتى تبادل الناس المباركات، وكان منهم الشكر لله عز وجل والدعاء لعبد الله بن عبد العزيز بطول العمر والشفاء العاجل غير الآجل، الشفاء الذي لا يغادر سقماً.
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وأمد في عمره وبارك في جهوده وأدام عزه وحمى الله بلادنا وبلاد المسلمين ووقانا ووقاهم شر من به شر.. وإلى لقاء والسلام.