الظهور التلفزيوني للشيخ أحمد بن قاسم الغامدي وبجواره زوجته وهي كاشفة الوجه على إحدى القنوات الفضائية أحدث جدلاً غير تقليدي في طبيعته، وغير مسبوق في مساراته، كونه تنوع بين اختلاف فقهي من جهة، وصراع فكري من جهةٍ أخرى،
ما أحدث احتقاناً اجتماعياً تمثل بردود متشنجة عكستها تغريدات، وكتابات لشخصيات معروفة، وأخرى من عامة الناس وصلت إلى التعريض الشخصي بالشيخ الغامدي وأهله بما لا يليق ولا يبرره أي اختلاف.
مسألة حكم (كشف وجه المرأة) في إطار الحجاب الشرعي، ليست قضية فقهية طارئة، أو نازلة معاصرة، فقد بحثها علماء الدين والأئمة من مفسرين وفقهاء ورجال حديث ومؤرخي التاريخ على مدار تاريخنا الإسلامي، بحثوها حتى صارت هذه المسألة قطعية في حكمها واجتهادية في كيفيتها. لذلك لن أتطرق لها حتى لا يكون حديثي فيها من قبيل العبث الفكري، خاصةً أني لست متخصصاً في الفقه، أو باحثاً في الحديث.
إنما ما أود التطرق إليه هو سبب ذلك الاحتقان الاجتماعي، الذي عكسته كتابات وتغريدات سيئة في عباراتها، لم تصدر إلا بسبب ما أشرت إليه وهو الجدل العلني وإلحاد في مسألة الحجاب على مستويين أو مسارين، الأول اختلاف فقهي داخل دائرة التيار الديني، بين الشيخ الغامدي ومن يؤيد موقفه في جواز (كشف وجه المرأة) مع تغطية كامل جسدها، وبين فقهاء وعلماء دين يرون أن الراجح في الحجاب هو (تغطية وجه المرأة)، حتى أن هذا الاختلاف الذي تحول من اختلاف (تنوع) إلى اختلاف (تضاد)، قد وصل إلى بعض منابر خطب الجمعة في محاولات على تأكيد أن جمهور الأمة مع القول بـ(التغطية).
هذا الاختلاف الفقهي أحدث جدلاً فكرياً موازياً جرى بين التيارات الفكرية على الساحة الاجتماعية، وتحديداً بين التيارين الديني والليبرالي، فالليبراليين تبنوا موقف الشيخ الغامدي في مسألة (كشف وجه المرأة)، رغم أنهم بالأساس يرون الحجاب (حرية شخصية) للمرأة بغض النظر عن مسألتي الكشف والتغطية، كما استغل بعضهم (الجدل الفقهي) حول الحجاب بالسخرية من المؤسسة الدينية بأنها اهتزت أمام رأي الغامدي.
كل هذا ذلك الجدل حول الحجاب بأطرافه ومساراته ومن نتج عنه من احتقان مجتمعي، يدل دلالة واضحة على أن لدينا (أزمة خطاب) على المستوى الاجتماعي بشكل عام، وقد تشكلت هذه الأزمة من جميع الأطراف الداخلة في قضية الحجاب. أزمة الخطاب الاجتماعي الذي أعني تتمثل في الاحتقان السريع بين أفراد المجتمع بقيادة تياراته الفكرية عندما تبرز مسألة دينية خلافية، أو نبحث في حل مشكلة اجتماعية طارئة، أو نناقش قضية تنموية مستجدة، بسبب ترسب (الرأي الأحادي) في طريقة تفكيرنا، وفي توجيهه لإدارة حواراتنا، لهذا نجد إشكالية في تقبل الآراء الأخرى، متباينة كانت أو مختلفة مع الفكرة الأصلية لأي موضوع، سواءً كان في المجال الديني، أو الفكري والثقافي، أو السياسي الاقتصادي، أو في أي مجال حياتي آخر.
وبالتالي تكرّس (الرأي الأحادي) كممارسة فردية على مستوى الأوساط الاجتماعية، والإشكال لأنه لم يقتصر على عالم دين أو فقهيه أو داعية كما يتصور البعض، من حيث التشبث برأي أو فتوى دينية مقابل آراء فقهية أخرى أو فتاوى يراها خطأ أو معارضة، إنما هذه الممارسة موجودة حتى لدى المفكرين والمثقفين والكتاب الليبراليين عندما يناقشون أفكاراً أو آراء أو مفاهيم ثقافية وفكرية، يحاولون من خلالها تعزيز وجهات نظرهم في قضية من القضايا المعاصرة.
والمحصلة النهائية من كل ذلك الاتهامات المتبادلة بين مختلف التيارات الفكرية في ساحتنا المحلية حول (الوصاية)، و(الإقصاء). فكل فريق يتهم الآخر بأنه يمارس وصاية فكرية على المجتمع من خلال فرض رأي واحد، أو يقصيه حتى لو كان رأيه حكيماً.
دون أن نعي أننا نعيش في عالم متسارع، وأن مجتمعنا أصبح مكشوفاً أمام العالم، وأن طريقة تفكير الأجيال اختلفت عن الرواد، وأن هناك قضايا كبرى تواجهنا هي ما تستحق منا التكاتف والبعد عن الاحتقان الاجتماعي، بحيث نستمر متحدين جميعاً لمواجهتها كقضية الإرهاب، خاصة ًبعد جرأة الإرهابيين على بلادنا وقيامهم بالغدر في حرس حدودنا عليهم رحمة الله.