لا أريد الهون في جنديتي أو أقضّي من عدوي مأربي
في شموس الوطن وظلاله، صوت رجال الأمن البواسل؛ في حدودنا المورقة برفاتهم الطاهرة، أولئك شهداء الاثنين في شمال بلادنا، ومن سبقهم إلى أوسمة الخلود {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (169 سورة آل عمران)
وكان هناك ثمة حزن يحرّضني أن أبكيهم؛ ولكني ما لبثتُ أن رأيت عشق الوطن يغازل أرواحهم، ورأيتهم حصونا عالية في وجه جماعة إرهاب عابسة تحاول اجتياحنا ويأبى الله.
جاءوا من وشوشات وافتراءات خلف حدودنا الغالية وكانت تغمرهم أمنيات أن يفوزوا ويأبى الله.
دخلوا إلى رمالنا الدافئة، ودفنوا رؤوسهم رعباً وذعراً لعلهم ينفّروا صيدنا؛ ويعكروا صفونا ويأبى الله.
تجولوا في مساحات فارغة من اللغو لعلهم يخترقون قلوبنا، ويفضون إلى عقولنا ويسترقون أسماعنا ويأبى الله.
زرعوا أوكارهم النتنة في حواضرنا وبوادينا لينكّروا لنا عرشنا ويأبى الله.
كبُرت معهم الأزمنة، وكبر إيماننا بشموخ وطننا، وتفرد قادتنا، وبسالة جنودنا، وسمو صلاتنا، وتواشجنا مع السلام وصانعيه وناشديه
نحن ما شئت خلة ووفاء
نحن للمعتفين ظل ظليلُ
نحن حب لمن أراد التآخي
وسهام للمعتدي ونصولُ
حملهم جسد الأرض موتى القلوب، خواء العقول حيث لا يقين يحميهم، ولا فكر سوي يفرغ نفوسهم من ركامها، وحملت شهداءنا أرض طاهرة نباهي بها أمم الأرض، ونفاخر حيث ننتمي إلى واد غير ذي زرع عند البيت المحرم؛ تهفو له الأفئدة من كل مكان وتجبى له الثمرات من كل مكان بأمر الله.
ولما كان الحدث حاضرا هنا في وطننا الأشم حيث عبق المكان والمكانة، وحيث الحكم الرشيد، والعدل والميزان بالقسط، أصبحت منابعنا يفيض ماؤها، ويسقي كل بقاعنا ولاء وإقداما وتضحية، ويمد رجال الأمن البواسل بحرارة الولاء وبواعث البذل، ومحفزات الشجاعة، إنهم يبحثون عن أوسمة الشهداء خلف المتاريس. ويقدمون أنفالا غالية في أخاديد الصحارى وأعتى التضاريس، ويحملون أرواحهم ركائز لوطنهم لا يضنون عليه بالغالي والنفيس.
وبنفسي هاته الأرض التي
عشت فيها وبأمي وأبي
ما ركبت الصعب إلا جاعلا
مجد قومي وعلاهم مطلبي
نعم هناك مساحات حزن مشتركة من قادة الوطن وأبنائه على شهدائنا البواسل الذين قضوا على يد الإرهاب الغادرة، لكن الحدث ما فتئ إفرازا لمتممات اللحمة الوطنية بين الشعب وقيادته الرشيدة، وواقع لا بُدَّ من استبصاره وحصاره، واتجاه خاطئ لا بُدَّ من عودة راكبيه إلى جادة الصواب، وإدراك مال كل الميل من فئة ضلت لا بُدَّ له من تدارك، وفكر مال كل الميل عن أهله ومآله ينبغي استئصال شريانه واستبداله.
وعبر كل تاريخ الإرهاب المشين الذي مُني به العالم عامة وبلادنا الطاهرة - حماها الله - فإنَّ الحديث عنه لم يعد متواريا بل كشف ما تحت السطوح وما فوق السفوح، فأصبحت حواراتنا تتسع حوله لمستويات كثيرة من السياقات والرؤى الواعية في الحرب ضده، فالوقاية من الانقياد نحو مشاغل صنعه وبؤره الغادرة يتصدّرها بناء الوجدان الوطني الحيّ، وتعميق الإيمان بأن الله برأ الإسلام من إبادة الدنيا؛ وتصحر حياة الناس، وإراقة دمائهم، وقطع ما أمر به الله أن يوصل، ونشر الفساد في الأرض، ولا بد للحظات الوطن أن تكون حاضرة في حياة الناس وأن تغرس في محيطهم أينما يكونون، وحيثما يتواجدون، وأن يكون عشق الوطن امتدادا لعشق فضائل الحب والسلام والحرية والعدالة والتراحم، وهنا يجب أن تنبت في ذلك الروض تربية عظيمة تحمل الوطن إلى أبنائه، وتحملهم إليه، عندها سيكون اللقاء متفردا وحميما ليس بعده فراق.
حفظ الله ملكنا ووطننا ورحم شهداءنا ووفّق حماة الوطن وجنوده في مواقعهم لكل أمر يحقق أمن الوطن وأمانه.