لماذا في كل مرة نتحدث فيها عن الإرهاب نضطر لتفكيك المفردة لغوياً؟! فالعرف العالمي والمحلي لمفهومه أصبح واضحاً. ويمكننا أن نتفق أن العنف واستخدام السلاح مدفوعان ببواعث إيديولوجية في سيرورة متصاعدة ينتج عنها إخلال بالأمن واستثارة لرعبِ الجمهور أو مجموعة من الناس؛ هو المفهوم المتعارف عليه للإرهاب، وبعده «نقطة». اما سرد أسبابه ودوافع أفراده أو منظماته التي تسعى لتحقيق أهداف سياسية أو خاصة، يمكننا اعتبارها إما تبريراً أو دراسة تسعى لمعالجة الحالة. فإذا كنا بصدد العمل على وحدة وطنية كمشروع بحاجة لاستراتيجية وأهداف معينة لا بد لنا أولاً وقبل كل شيء من إزالة معوقاته ومن أهمها المناخ الطائفي وهو حاضن الإرهاب وجحره إذا ما استثنينا الأسباب السياسية التي تصب الزيت على نارها. والإرهاب ليس مقتصرًا على من حمل السلاح وقام بفعل القتل أو الترويع، إنما يشمل المُحرض والأسباب ومنطلقاته الإيديولوجية ودعمه السياسي أو اللوجستي، وختاماً (وهو لا يقل خطراً عما ذُكر) احتضان الأعمال الإرهابية تلك ما بين عُش الاعتذارية وجناحي المظلومية. فالجنود ليسوا من في سوح المعارك ولا من في مكمن التخطيط والتوجيه وحسب، إنما هم أيضاً من يحتشدون في الصف الأمامي لحمايتها بتبريرات إما دينية أو حقوقية أو إنسانية. رغم غرابة أن يرتبط العنف والسلاح وإرهاب الجمهور بأي منهم! فقد تَلى حادثة باريس كما تلى الحوادث الإرهابية التي سبقتها كقتل أفراد حرس الحدود في عرعر ـ مثلاً ـ تبريرات تسعى لشرعنة الإرهاب وإلباسه ثوب الدين قسراً. هذه الاعتذارية صورة تعكس مكنونات أولئك الذين لا يقدرون على تأييد الإرهاب بشكلٍ معلن.
ومن جانب آخر ومع اختلاف الساحة واللاعبين تطل علينا المظلومية لتبرر أعمال عنف وإرهاب في العوامية شرق المملكة. المظلومية التي ترعى العنف والتطرف والإرهاب بمنطلقات إنسانية وحقوقية تحاول بخطابها الذي يفيض عاطفية وتألماً أن تخفف حدة الحدث وتجعل إراقة الدماء مبررة وشرعية! إن تجميل البشاعة أسوأ من البشاعة بوجهها الواضح. لأنها لو توضحت فقد تحددت وسهل وصفها ورفضها والتنديد بها. سواء كان القناع دينياً أو إنسانياً وحقوقياً. لن يغير من حقيقة الإرهاب التي يتحمل تبعاته المجتمع كله، بل الوطن أيضاً!
فالجريح الذي ينزف إن لم يتم إسعافه، سوف ينزف حتى الموت سواء كان الفاعل أبيض أو أسود، محلياً أو خارجياً، معوزاً أو مستكفياً، فاعلاً أو صاحبَ ردة فعل، شيعياً أو سنياً. لا يهم لماذا قتل؟ بقدر أن يهمنا أنه «قتل». ومن يبحث عن أسباب لجريمة واحدة، سوف يتفنن في ابتكار التبريرات والأعذار للجرائم اللاحقة!.