يا ريح شيح طيّب الله ريحه
الريح ما يبرد حشا قلب ملهوف
«محمد بن مسلم»
هذا بيت من قصيدة لشاعر الأحساء الكبير المرحوم محمد بن مسلم (ت 1312هـ) تقريباً, وهو من قصيدة يتغزل فيها بمحبوبته لطّوف (اسم تدليع للطيفة)، ومطلعها:
ذا مسك أو عنبر تنشّيت ريحه
أو ورد جوريٍّ مع الطل مقطوف
ومحمد بن مسلم من فحول شعراء النبط, وقد عاصر شاعر الأحساء الكبير الآخر سليم بن عبد الحي, لكنه لم ينل ما ناله سليم من الشهرة مع أن شعره متين, سهل, ممتع, سلس يعانق الشغاف, ولا بد أن هناك ظروفاً مجهولة لم تساعد على الاهتمام به الاهتمام اللائق بشاعريته الفاخرة.. وإني لأعجب كل العجب من هذا الإهمال تجاه هذا الشاعر الفحل, ولعل الله يقيّض باحثاً يلملم شتات ما تفلّت من سيرته وشعره ويقدمه هدية للعلم والأدب وهو حقيق بذلك.
قبل ثماني سنوات وتحديداً في رمضان وما تلاه من العام 1428هـ تردد اسم محمد بن مسلم كثيراً في وسائل الإعلام وخصوصاً المقروء, وذلك بعد عرض المسلسل البدوي (نمر بن عدوان) الذي كان سبباً مباشراً في إعادة توثيق قصيدة الرثاء الخالدة (البارحة يوم الخلايق نياما) حيث ظلت لعقود طويلة تُنسب خطأ لنمر بن عدوان حتى جاء الباحث الأحسائي المحقق الأستاذ عبد الله بن أحمد الملحم، فنفى نسبتها إلى نمر وأكدها لمحمد بن مسلم في بحث نشره في مقالة في إحدى الصحف قبل المسلسل بما يقارب العقد من الزمان, لكنه لم يشتهر إلا بعد عرض المسلسل, والسبب كما يقول الملحم في لقاء معه نشر في الجزيرة عام 1428هـ يعود إلى أن المقالة «نُشرت في جريدة أما المسلسل والقصيدة المنحولة فعرضا في عدد من القنوات الفضائية، وبالطبع فقوة تأثير المادة التلفزيونية آكد وقعاً وأسرع وصولاً للمشاهد من المادة الصحافية».
وبيت السياحة أعلاه ليس (بيت القصيد) في القصيدة، لكنه نموذج لظاهرة لفتت نظري في شعر محمد بن مسلم في غزلياته وهي حضور (رائحة المحبوب) قوية في وجدانه, وتأثيرها العميق في نفسه, وفي البيت وردت لفظة (ريح) بمعنى (الرائحة) ثلاث مرات, بل إن القصيدة كلها من رأسها إلى قدميها تدور حول تلك الرائحة.. وله قصيدة أخرى معظم أبياتها تصف أيضاً (رائحة المحبوب) ومطلعها:
هب النسيم بريح ريحان الأحباب
وترنمن اغصون قلبي بتطريب
ريحٍ إلى شمّه كسير الهوى طاب
واستدملت منه الجروح المصاويب
قمت اتنشّى ريحته بين الأسلاب
وانشا شذى عرفه بريح الهباهيب