المفهوم السائد، وقد يكون صحيحاً كناتج نهائي، هو أن الإرهاب يستهدف الحكومات والأنظمة الأمنية ويستثني المواطنين. هذا المفهوم يشكل أكبر كذبة وأوضح دليل على النفاق والعبث الإجرامي بالدين والمجتمعات لتبرير جرائم القتل والتدمير وانتهاك الحرمات بتخريجات فقهية ضالة ومضللة.
علينا أن ندرك أن المتضرر الأكبر والأول من الإرهاب هم الفئات المسحوقة والمعدمة من الشعوب التي لا تصل إليها حماية الأنظمة بسبب عدم أولويتها الاجتماعية والسياسية.
لنبدأ من الأول. أين ضرب الإرهاب في السعودية ضربته الأولى؟ الضربة الإرهابية الأولى كانت في الحرم المكي والمتضرر الأكبر كانوا الحجاج والمعتمرين. هؤلاء لا دخل لهم بالسياسة ولا بتوزيع الثروات ومشاكل الظلم الاجتماعي، وهم أقرب الناس إلى خطوط الفقر في كل الدول الإسلامية التي قدموا منها إلى مكة المكرمة.
الضربات التالية كانت في أفغانستان وباكستان ونال النصيب الأكبر منها أطفال المدارس والمصلون في دور العبادة وأصحاب الدكاكين الصَّغيرة وسكان القرى النائية. حينما تسيطر القاعدة وطالبان على منطقة ما، بعيدة عن الذراع الأمني والعسكري للدولة، لا يبقى للسكان فيها مصدر رزق وبقاء سوى الانضمام إلى صفوف الإرهابيين تحت مسمى الجهاد، وإلا فلهم القتل واستباحة النساء وتخريب الدور والمزروعات. استهداف الإرهاب في باكستان وأفغانستان للمدارس ودور العبادة والأحياء الفقيرة ومزارعي القرى المعزولة هدفه خلخلة المجتمع وإفقاد الدولة مصداقيتها بالإضافة إلى كسب الكوادر، لكن الضرر الأول والأكبر يقع دائما على الطبقات الهامشية المحرومة من كل أنواع الحماية. الهجمات الإرهابية على الأماكن المحصنة والمحمية لا تمثل إلا نسبة قليلة من النشاط الإرهابي، لكنها للأسف ولغباء الإعلام الرسمي تتصدر دائما الأخبار في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وهذا يصب بكامله في قنوات الإرهاب.
ما يحدث في العراق وسوريا هو تكرار يومي مكثف لنفس الاعتداءات على المسحوقين والمعدمين في أفقر طبقات المجتمع وأقلها شأنا وتأثيرا في السياسة والاقتصاد. عندما اكتسح تنظيم داعش الموصل والأنبار استحل أولا دماء وأعراض وممتلكات الإيزيديين والمسيحيين، وهؤلاء يشكلون الأقلية والأضعف شأنا في المجتمع العراقي. في عين العرب (كوباني) هاجم التنظيم بوحشية مدينة كردية تقع لسوء حظها على الحدود السورية - التركية، تركها نظام الأسد منذ زمن لمصيرها البائس وهي ليست تابعة للدولة التركية لتحميها وفي نفس الوقت بعيدة عن جيش البيشمرقة الكردي. مرة أخرى أطبق الإرهاب على سكان فقراء معزولين من أية حماية وإمدادات، بادعاء إخضاعهم لقوانين الشريعة الإسلامية، وهم كلهم مسلمون سُنَّة منذ ألف وأربعمائة عام. في الرقة ودير الزور وإدلب وحلب وكل المدن والقرى السورية التي استحلها الإرهاب نزلت المصائب الأولى والأكبر على الفقراء والمهمشين. تأديب وقتل وخطف النساء والفتيات والتجنيد الإجباري للأطفال.
قد يستغرب بعض القراء لو علموا أن أحياء حلب الغنية ما زالت تدفع لعصابات الإرهاب إتاوات لكي تستمر الحياة فيها بمعاناة أقل كثيرا من سكان الأحياء الفقيرة والهامشية، فيحصل زعماء الإرهاب على التمويل والتموين ويشاركون في السهرات الليلية في الأحياء الراقية.
تقبع خلف الإرهاب عمليات تكسب وفرض سلطة وتفريغ غرائز وحشية، ليس منها الإصلاح السياسي والاجتماعي والأخلاقي، وعلى الذين مازالوا واقعين تحت تأثير الإعلام الإرهابي المخادع أن يعوا ذلك جيدا قبل أن تحل بمجتمعاتهم الكوارث.