كمواطن يهتم لسمعة وطنه وينزعج من حملات التشويه المركزة على هذا الوطن بالذات وفي هذه المرحلة الحافلة بالأحداث المصيرية، أشعر لأن لي الحق الكامل في الاطلاع على ملابسات أي قضية رأي عام وخصوصاً حين يصدر فيها حكم قضائي شديد الوطأة.
كالمتوقع بدأت محاولات التدخل في شؤوننا بعد الحكم في قضية رائف بدوي، التي هي قضية احتساب ضد مواطن سعودي تخطى الحدود الشرعية والعرفية والاجتماعية حسب المتوفر من المعلومات للاطلاع العام.
على جاري العادة كان التدخل الأول من الولايات المتحدة الأمريكية. من الناحية المبدئية ليس لأي دولة حق التدخل في شأن سعودي بحت، وخصوصاً في قضايانا الشرعية والحقوقية، وبالذات من الإدارة الأمريكية. الولايات المتحدة الأمريكية لا تمتلك، لا أخلاقياً ولا حقوقياً، ما يزكيها كدولة مهتمة بالحقوق الإنسانية، فهي التي تعيث في العالم انتهاكاً وتمزيقاً وتقتيلاً، ولم تضع يدها في أمر خارج حدودها إلا عقدته وأفسدت مجتمعه، وذلك بشهادة المفكرين الأحرار الكبار في المجتمع الأمريكي. أقبح المواقف ضد الإنسانية في التاريخ الحديث هو موقف الإدارات الأمريكية المتتالية في فلسطين والعراق وتغطيتها المادية والمعنوية للجرائم المستمرة ضد سكان هاتين الدولتين، والتي نتج عنها التدمير الكامل للدولة وللنسج السكاني وتشتيته في المنافي. طلب الإدارة الأمريكية من الحكومة السعودية عدم تنفيذ الحكم القضائي في المواطن السعودي رائف بدوي محاولة انتهازية لتعقيد الأمور بين أطراف هذه القضية، الدولة السعودية والقضاء السعودي والمجتمع السعودي بما في ذلك المواطن رائف بدوي وعائلته.
غير أن سخطي على محاولات التدخل الخارجي ورفضي لها لا يعني ارتياحي لمجريات ما يسمى «قضية رائف بدوي»، ليس احتجاجاً على الحكم فذلك ليس من حقي، ولكن لكون المسألة بدأت كقضية احتساب شخصي على رأي شخصي مخالف، ثم تحولت إلى قضية مفتوحة على الرأي العام بمعلومات مجتزأة تم تسريبها بطرق مجهولة من الملف القضائي إلى وسائل التواصل الاجتماعية. كيف تم الحصول على المعلومات المجتزأة، ومن الذي سربها ولماذا، وهل كان المسرب يريد التأثير في الرأي العام لصالحه قبل صدور الحكم، هذه أسئلة تستحق الأجوبة.
نظراً لأنه تم تحويلي بهذه الطريقة التسريبية إلى شاهد إلكتروني في قضية رأي بدون الحصول الموازي لذلك على معلومات كافية عن المحتسب والمحتسب عليه، أجدني مضطراً للتفكير بقلق حول ما سوف يترتب على الحكم الصادر في المستقبل داخلياً وخارجياً. إمكانية تفهم الحكم بالسجن عشر سنوات وستمائة جلدة يتطلب التوفير الإعلامي الواضح لحيثياته، تسهيلا ً للمقارنة في التهمة والعقوبة مع قضايا أخرى، احتسابية وغير احتسابية، وصلت فيها الجرائم إلى التفجير والقتل العمد، أو قتل الأطفال من داخل الأسرة بعد التعدي الجسدي والجنسي عليهم.
لا أستطيع ابتلاع الغصة عندما يسألني أحدهم عن هذا الحكم وأعتذر بأنني لا رأي لي بسبب نقص المعلومات، لأن السائل نفسه سوف يقول لماذا لا تعرف وهي قضية رأي عام أصبحت بهذا الاتساع في الداخل والخارج.
هل في قضة رائف بدوي، وهي في جوهرها تجديف من عقل مخبول في الذات الإلهية ومكابرة وعناد أحمق، هل فيها ما يجعلها أكبر من إمكانيات المناصحة والاستيعاب والتأديب الإصلاحي، تأسياً بنفس الطرق والفرص التي منحت لإرهابيين ثبت عليهم ارتكاب جرائم شنيعة في الحق الخاص والعام والمروق من الدين والخروج على ولي الأمر ومحاربة الله ورسوله بالسلاح والتحريض على العصيان؟.
إن الدولة الرشيدة التي تبنت مبدأ الاحتواء والإصلاح والمناظرة الشرعية مع الإرهاب المدمر لن يعجزها استيعاب الشطط الفكري بنفس الوسائل، تحسباً لما قد يترتب من انتشار الشطط بدلا من احتوائه ودفنه في مكامنه الأولى ونسيانه.
وأخيرا ً، توجد مأساة إنسانية كامنة في تنفيذ الحكم الصادر في قضية رائف بدوي، تتعلق بأسرته وأطفاله ومستقبلهم بكافة الاحتمالات. يذكر كبار القضاة الشرعيين والحقوقيين باستمرار بفضيلة، بل وبضرورة النظر في العامل الإنساني المحتمل، المتعدي لشخص المحكوم إلى غيره، وخصوصاً في القضايا التي يرتكب فيها ماهو أقل من جرائم إزهاق الأنفس وتدمير الممتلكات وترويع الآمنين.