في البدء اعلموا بأن لدي ثأرا شخصيا مع كل مسؤول يمارس الفوقائية والعنجهية دون عمل مميز أو إنتاج فعلي أو عطاء ثري له أثر مرئي وبائن، أقول هذا حتى لا يتخيل أحد ممن يقرأ لي بأنني أنتقد من أجل الانتقاد، مع أني بصراحة تامة أجد في النقد حرصاً حقيقياً أكبر مما في المدح والإطراء، إن النقد الهادف البناء يعتبر وحدة مترابطة ومتواصلة ودواء معالج عالي التركيز وجالب للمنفعة، إن القيم العليا والأهداف النبيلة والتوجه الأبيض، يجب أن ترادف النقد ويبنى عليها شأنه ومصدره،
حتى يصبح مثل الشجرة الطيبة تبقى تحمل ثماراً يانعة وطيبة، حتى وإن شح القطر، وحلت سنوات القحط، أو إذا تداعت عليها الأيادي العابثة، أن علينا التمييز بوعي بين النقد الهادف البناء وبين النقد لمجرد النقد، إن السردية النقدية المبنية على الحيثيات والوقائع الصحيحة والتحليل العقلاني العميق، يجب أن تشجع ويصفق لها ويفسح لها المجال وأن لا تقوض، أن النقد العقلاني الهادف البعيد عن المجاملات والمهادنات والمسايرات، يعتبر ضرورة قصوى وحاجة ماسة إلى تطهير السلبيات ووأدها في مهدها، وإزالة العفن والدبق والرماد، لأن النقد الواعي الثري يشبه المحراث المميز الثمين، إن على الناقد الحصيف لكي ينجح امتلاك القدرة على التنبؤات والتحذيرات والاكتشاف والفحص والتحليل، وأن يكون مفكراً يدرك وبشكل مبدئي وعملي وموضوعي الأشياء والقضايا التي يتحدث عنها، إن على الناقد العاقل الواعي أن يتميز بالمواقف العلنية والصريحة ومبادئ العدل والحق، حتى يكسب الود والاحترام، ويلعب دوراً رئيسياً وكبيراً في البناء والتشييد ويساهم في تثقيف المجتمع وتوعيته، أن النقد بوجه عام لم يكن وليد فراغ نظري، لكنه مجموعة توجهات وموجات فكرية تتسم بالعمق والشمول والقدرة على خلق مناخات جديدة لتحويل الفكر التنظري الكامن لدى الناقد إلى فعل عملي مشهود في إطار بنية فكرية تأخذ مكانها في الوجود، أن النقد كما هو معلوم جزءاً من رؤية كونية تطال الناس والحياة بكل الأبعاد، من دون أن يتعارض ذلك مع خصوصية الناس الذاتية، أن العمل النقدي المبني على تطهير الأشياء وإيقاظ المسؤول من سباته العميق، يصبح أكثر ضرورة وأمس حاجة، خاصة أننا نعيش في عالم تحركه الأهواء والنظريات والفلسفات، وتخاض فيه الحروب وترسم فيه الاستراتيجيات ويبنى فيه ويخطط له على هذا الأساس، أن التنظير النقدي للأشياء والمسؤولين من مهام الناقد الحصيف الأمين، بل يجب أن تكون هي أدواته لكي يتولى ربط المنجزات العملية بالأصول النظرية، وإعادة تقييمها فكرياً بما يراه حسب واقع الحال، أن الفعالية النقدية المواكبة لتقصير المسؤول وتدني إنتاجه، لا يجب أن تعتمد على النقد التعبوي الخالي من الأهداف والمضمون، بل يجب أن تكون أكثر هدوءاً وعقلانية وحكمة وأبعد رؤية، دون بلوغ مستويات الاحتراب والتقزيم والتهميش، أن التنظير النقدي الأبيض الواضح الهادف من قبل المفكرين والمثقفين، يجب أن يكون جزءاً من نسيج المهنية النقديةلأهميته ذلك وضرورته، أن النقد بالدرجة الأولى عبارة عن تجربة خاصة وردة فعل تجاه المسؤولين والأشياء والقضايا بحسب الفهم الفلسفي والمعرفي والاستيعابي للناقد، والوقوف عليها ومعايشتها ومقاربتها بعيداً عن الانتقاص والتجزئة، إن النقد الهادف البناء له قدرة عجيبة على تحويل الأشياء وتسييلها عبر تحويلها من السلب الواضح إلى الإيجاب الواضح، إن الناقد الذكي هو الذي يملك أدوات النقد وعلى بلورة وتطهير الخلفية السلبية إلى منظمومة عمل معرفي مع مراعاة كل ما تحمله ضرورات المزاوجة بين التنظير والواقع، وفي هذا المقام يمكن استدعاء النقد بوصفه كلام محبذ، وإطاراً نظرياً صالحاً للتعامل مع القضايا المختلفة منهجياً ومعرفياً من خلال المهام الأساسية للنقد بهدف التبيين والتواصل مع التثبيت ورد الشبهات والمغالطات، إن النقد منعطف خطابي له حالة مفاهيم خاصة للانتقال بالأشياء من حالة الركود إلى حالة اليقظة والإمساك بناصيتها وبالتالي الارتقاء بها من حيث هي إلى حالة جديدة من الرقي والتطور بغية نقلها من حالة يأس إلى حالة عامرة بالعافية والتجاوز بها نحو فضاءات العطاء، إن الناقد يستطيع أن يثبت فعاليته وحضوره من خلال فعله المرتبط بالحدث، وسيكون قادراً على تغيير المفاهيم الغامضة الكلية المستخلص من مضامين تجربته الطويلة في البحث والمتابعة ضمن معايير هادفة، إن الناقد يستدعي إسباغ عمله النقدي على مفهوم تطوير الأشياء في سياق منظومة معرفية متكاملة وإخضاع عمله لثلاثية نظرية هي -الرؤية والعقل والحكمة-، بحيث تشكل هذه الثلاثية مرجعية مثالية تفضي إلى النجاح والتفوق، إن الاهتمام بالجانب النقدي الهادف الواضح والصريح والاحتفاء به من قبل المسؤول المعني يضعه أمام أفق الانتقال من الفعل التقاعسي المرتبط بأبعاد واهنة، إلى عمل جاد مرتبط بنهضة عمل دؤوب ممتلئ، وصولاً إلى النتيجة الكامنة في البناء والتنمية والتطور.