شمسها أشرقت .. من بين شقوق مشربياتها تسللت.. وأهازيجها وصوت جسيسها يزف العروس ليلة العمر، استيقظ الماضي في زوايا المكان التاريخي، أشرق من بين هدب الغيم كشمس تشق نهارات غائمة، وحضر أطفالها وكبارها في فعاليات مختلفة يقصون كيف كانوا وكيف كانت جدة.
جدة التي تتلألأ على شواطئ البحر الأحمر، تغني ليتحدث كل لحن وكل حرف عن قصة المكان الخالدة التي يتعطر أبناؤها بسماعها كلما دار رحى الليالي الدافئة بالحكايات وجمع الأحبة على نور شمعة يتراقص نورها على أنفاسهم.
جِدة الجَدة.. جدة المعشوقة .. جدة الغافية على شواطئ القلب، هواها حالم لا يفيق.. وتراثها نبراس في دجى الظلمات، جدة الأجيال التي تحمل مجد أجيال مضت، والمستقبل الذي له تأريخ وماضٍ لا يموت، يستيقظ أهلها وزوارها كل صباح ليدركوا أنهم تجاوزوا أحلامهم إلى واقع يعيشون فيه ويتعايش معهم ملامح ماضٍ مضى، هنا مر موحد البلاد وسلطانها ومؤسسها الملك عبدالعزيز وهنا له ولأبنائه وأحفاده وشعبه مجد متجذر في عمق الأرض، وهنا نبضهم كنبض الموج، وأرواحهم مثل شذى الحقول، واليوم تمر قوافل الماضي تطوقها جموع الأحفاد تلوح لها بكف الشوق والحنين للأجداد .
جدة تعيش عرسا استثنائيا . تشاركها جارتها القريبة الطائف عرسها السنوي سوق عكاظ» ويفتتحه نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الأمير الشاب مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير مكة المكرمة بالتفاتة وفاء واستحداث جائزة التميز التي كرم بها أصحاب السمو الملكي خالد الفيصل وسلطان بن سلمان على جهودهما في مجال التراث.
عكاظ الذي يعقد قبة النابغة فيجتمع العرب حوله تتعاكظ وتقرا الشعر، هو موعدنا السنوي مع القصيدة والتراث وشعراء المعلقات وأصحاب الحرف والمهن.. موعد مع اللوحة والفن والماضي.
***
ليلة الأربعاء هي الليلة التي انفرد بها لكتابة مقالي للصحيفة الغراء « الجزيرة»، وقد تلقيت للتو وقبل إرسالي مقالي هذا لسعادة الأستاذ خالد المالك نبأ رحيل الشاعر الجميل محمد إسماعيل الجواهرجي.
وكأن لنا موعدا هذا العام مع الفراق وألم الغياب، قرأ الجواهرجي قصيدتين في حضرة ثلاثية محمد سعيد طيب وبرفقة صديقه العزيز جدا معالي د عبدالعزيز خوجة ثم شهق شهقتين وسلم الروح لبارئها، هو غفى؟ نعم، لكن قصيده وكل ذكرياته وطيب روحه باق يذكر به، لم تغف قصائده، ستكون تعويذة سعادة وحضور.
رحمك الله أيها الرجل الطفل، وألهمنا وذويك الصبر والسلوان.