أعتقد أننا حين نكتب عن الشهادات الوهمية في الوقت الحالي فربما لن نأتي بجديد حول الموضوع، اللهم إلا حوادث أو وقائع فردية طارئة. والسبب في نظري، أن جملة المقالات التي تناولت الموضوع طيلة السنوات الماضية قد غطت كافة جوانبه حتى أتت على تفاصيله الدقيقة، بمعني أنها شخصت المشكلة وطرحت الحلول البديلة ووضعت الموضوع برمته أمام متخذ القرار.
أذكر أول مقال كتبته في جريدة الرياض عن هذا الموضوع الحيوي كان في 22-1-2008 وتحت عنوان: «أوقفوا شهادات المنظرة»، ولأن المقال قد جاء في بدايات التصدي لهذه المعضلة فقد لقي وقتها أصداء واسعة، وفي المقابل جلب لي عداوات كثيرة من أشخاص ضربتهم تلك المقالة وفي ذلك الوقت المبكر في الصميم، إذ كشفت ما كانوا يخشونه. وأذكر أن أحد أصحاب الشهادات المضروبة وفي أعقاب نشر المقالة بعث إليَّ مجلداً متوسط الحجم، زعم أنه يمثل رسالته للدكتوراه والتي بموجبها منح الشهادة من الجامعة الأمريكية في لندن، وهي جامعة فيما يبدو ليس لها وجود في أرض الواقع ولا يوجد لها اسم إلا على أوراق الكرتون التي توزع بمقابل مادي على كل المتطلعين للقفز السريع للوصول لمقدمة الصفوف! دون النظر إلى أن هذا القفز المبارك من قبل البعض سيجني على أصحاب الشهادات الحقيقة.
جاء أيضاً وسم هلكوني في توتير عام 2012 تحت رعاية الأخ الدكتور موافق الرويلي ليكشف الكثير من خفايا زبائن الوهم وشهاداتهم المضروبة، ليس على مستوى الدكتوراه فقط وإنما حتى على مستويات الماجستير والبكالوريوس. ولعل من نتائج هذا الوسم نشر قوائم متتابعة بمزيد من الأسماء الجديدة، ومطاردة بعض الوهميين لإجبارهم على الاعتراف بمصادر شهاداتهم ومن الجامعات الورقية نفسها، كما اضطر بعضهم وإن كان العدد محدوداً لتمزيق شهاداتهم أو إحراقها.
رغم هذه الجهود من وسائل الإعلام ومن الفعل القوي في مواقع التواصل الاجتماعي إلا أن من يحملون شهادات الوهم ما زالوا يسرحون ويمرحون ويستحوذون على كثير من المواقع الرسمية وغير الرسمية، بل ويتحدون كل من يقف ضدهم، ويعتبرون من يتحدث عن هذه القضية أو يكتب عنها حاقداً وحسوداً تتملكه الغيرة ويدفعه حب الشهرة للنيل منهم، أما هم فيزدادون إمعاناً في طريقهم الخاطئ، ولا يهمهم إن كان عملهم حراماً وحصولهم قبل ذلك على الشهادات سرقة. لا يتورعون عن تقديم سير ذاتية مزخرفة ويخوضون في كل ميدان. سيطروا على التدريب وعملوا كخبراء في المناخ والطقس والتحليل الرياضي، وفي الدعوة والوعظ والرقية وفي طب الأعشاب، وسيطروا على البرامج الفضائية وعلى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة عدا سيطرتهم على بعض المناصب في وزارات الدولة وإداراتها، ولكم تقدير حجم الضرر الذي لحق بأصحاب الشهادات الحقيقية، وجناية الكرتونيين عليهم، وأول تلك الجنايات من الناحية النفسية حين تحولت الدكتوراه إلى موضع شك لدى كثيرين، فأول سؤال يوجه لأي دكتور من الأشخاص العاديين: من أين حصلت على الشهادة؟ هذا إذا لم يتحول الأمر إلى سخرية وتندر. أما ثاني الجنايات فيكمن في احتلال الوهميين لمواقع أصحاب الشهادات الحقيقية!
حتى يصدر قانون يجرم بيع الشهادات وشرائها، أعتقد أنه ينبغي على أي مؤسسة مطالبة من يتقدم إليها بصورة من شهادته مع الأصل للمصادقة وإلا فيغلق الباب في وجهه.