لنميز تلك الأمور الطبيعية من غير الطبيعية يمكننا اختبارها تطبيقياً. ليس على الطريقة الأبيقورية التي تميز ظواهر العالم الطبيعية عبر إرجاعها إلى أسباب علمية ماضوية، إنما عبر إخضاعها للتطبيق تجريبياً؛ فالأمور التي تخالف الطبيعة والجبلة ستعود لحالتها القديمة. تماماً كالزيت والماء حين يُمزجان بقوة خارجية، فإنهما لا بد أن ينفصلا عاجلاً أو آجلاً؛ لأن الاندماج ضد طبيعتهما الكيميائية.
ما قام به الملك عبد الله - رحمه الله - هو إعادة الأمور لطبيعتها؛ فقد تمكن بنظرته الحداثية والمستقبلية من إنهاء هدر الوقت في إخضاع الظواهر الطبيعية لقوانين ضد طبيعتها وناموسها الكوني. وأعني بالتأكيد عزل المرأة، وتعطيل دورها الطبيعي في مشاركة الحياة مع شقيقها الرجل. إن نظرته الثاقبة - رحمه الله - مكنته من اكتشاف الخلل في استحالة أن يسير مجتمع بشلل نصفي، يعطَّل أجزاء ضرورية منه. فبدلاً من أن يتحرك بشكل سليم و»طبيعي» أصبح يسير بجزء ويجر جزءه الآخر. الأمر الذي فرضته العادات والتقاليد بشكل جبري أصابنا بحالة مزدوجة من تعطيل جزء مهم في المجتمع، يمكنه أن يؤدي دوره بكل فاعليه، واستنزاف جزء آخر لو خففنا أعباءه أن يؤدي مهامه بجودة أعلى. وبهذا نعيد التوازن الطبيعي للحياة داخل المملكة. وهذا ما قام به الملك عبد الله حين أطلق كلمته الفيصل تحت قبة مجلس الشورى، وبعد أن مكن المرأة من المشاركة في أهم محور تشريعي، وفسح لها 30 مقعداً في مجلس الشورى. أطلقها بأن قال: «لا تهميش بعد اليوم»؛ فانطلق مفصل مهم من مفاصل المجتمع للدوران والحركة في جميع الاتجاهات: في صياغة الأنظمة التشريعية، في إدارة الشؤون المحلية من خلال المجالس البلدية، في تولي صنع القرار في القطاعات التنفيذية الوزارية أو التعليمية وجميع المؤسسات الحكومية، في القطاع التشغيلي سواء التعليمي أو التجاري، من خلال برامج الابتعاث وتأنيث العمالة.. وقد نجحت المرأة في جميع المهام الموكلة لها - بغض النظر عن حداثة عهدها ببعض الأعمال والأخطاء الواردة بسبب نقص الخبرة - فقد طفقت تمارس دورها في الحياة بكل حماس وشغف وجدارة، ونالت في عهد ذات الملك الكثير من التكريم والتشجيع. هذه البصمة التي تركها ورحل عنا ستبقى تذكرنا به كمنعطف أعادنا على الطريق واثقين الخطى. لكن الطريق ما زال طويلاً ومليئاً بالعراقيل والشوائب. ما زالت المرحلة مقيدة بالكثير من العادات والتقاليد التي تخالف الطبيعة؛ وبالتالي تخالف الدين الذي أتى لوضع منهج قويم لخدمة الإنسان وتيسير حياته. إننا نهيب بالخلف - كما فخرنا بالسلف - ونتطلع للملك سلمان بن عبد العزيز أن يضع من أولوياته إكمال المشروع التنموي العظيم في تمكين المرأة، ويبدأ أولاً بالنظر لأهم ما يعيق المرأة لأن تحيا بشكل طبيعي، وهو حقها الشرعي بالاستقلال عن الرجل حينما تبلغ سن الرشد الذي تصبح فيه إنساناً كاملاً مكلفاً وغير محتاج للوصاية.