إذا كان القذافي وصدام حسين وبشار الأسد أمثلة البطش المشهورة، قد رسخوا في أذهان الناس مفهوم التسلط والقتل والدمار كأسوأ صيغة لحاكم عربي، فإن الملك عبد الله - رحمه الله - قدم نموذجا مغايرا للحاكم العربي، قدم حاكما إنسانا يشعر بهموم الناس ويعترف بأخطائه بوصفه بشر، ويطلب من الناس أن يدعو له، قدم وجها مشرقا للرئيس العربي بشكل رثاه العالم ساعة وفاته وجاء الملك عبد الله بهذه الصورة الجميلة واجهة حضارية لا تنمحي.
قال بسلوكه الراقي، وكلماته الأبوية، ونقاء سريرته أن العرب يمكن أن يخرج منهم حاكما بمواصفات الصالحين، وأشاع للبشرية أنه ليس بالضرورة أن تبطش حتى تكون حاكما، وإنما يمكن أن تكون إنسانا تدير شؤون الناس بحب وإخلاص وسلام كعبد الله وبهذا علم الملك عبد الله - رحمه الله - العرب كيف يحكمون وكيف يتعاملون من شعوبهم.
الملك عبد الله - رحمه الله - رحل عن دنيانا، ولكنه باق في قلوب الناس، باق كصورة ملهمة لا تتبدل ولا تتغير، باقية ابتسامته لا تفارق خيالنا، وباقية ممازحاته تنبض بالحياة نبتسم لها حين تعود بنا الذاكرة إليها ويمر بنا طيفه عندما يحضر اسمه في مجالسنا.
وعندما تحزن كل المعمورة على وفاته - رحمه الله - فإن ذلك مؤشر على سيرة طيبة وإرث عظيم سيكون نبراسا للدولة السعودية على مر الأزمان، وعلامة فارقة تصحح للعالم أن السعودية دولة حب وسلام وأمان.
رجل أرسى دعائم الإنسانية واقعا عمليا، وسلوكا تلقائيا لا تكلف فيه ولا تصنع، أحب الكل فأحبه الكل، قال : « أدعو لي « فبات العالم يلهج بالدعاء له، في كل حين وكل ساعة، ويعزون بعضهم بعضا في فقيد ترك فراغا برحيله، لا يسده سوى ملك آخر كـ: سلمان يضيف إليه قيما أخرى تنبع من شخصيته المميزة، ليكتمل مشهدا ملكيا مدهشا لا تراه إلا في السعودية.
عندما تسنم الملك سلمان المهمة عرف العالم أن ملكا آخر ظهر للوجود، وأن المشهد السياسي المحلي متماسك قيادة وشعبا، ولا مجال للفتن أن تظهر أو تخترقه، وتعلم العالم درسا في انتقال السلطة السلس وأن هناك نموذجا آخر للحكم يستحق الاحترام.
سلمان سياسي محنك بمواصفات رجل دولة وبمهارات خبير، سينطلق من حيث انتهى الملك عبد الله - رحمه الله - ولكن بنموذج سلمان الذي سيجدد الحياة السعودية ليكتمل رفاه المواطن، وتتعزز المملكة ككيان مؤثر في المشهد الدولي. رحم الله عبد الله، وأعان سلمان.