لم يخطئ الشعب حينما أطلق على الملك عبد الله لقب «ملك الإنسانية» فقد كانت إنسانيته تتجلى بصورها البهية أينما كان، ينثر الحب والود والاحترام.
الرحمة أساس الملك، وبركة الحاكم، وسبب لالتفاف المسلمين حول قادتهم. قال تعالى، «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».
رحمة الملك عبدالله جعلته أكثر التصاقاً بشعبه، فرح لأفراحهم، وتأسى لمصابهم، ففاضت عيناه؛ رحمه الله؛ بدموع الرحمة والحزن، في أكثر من موقع؛ ونطق لسانه بكلمات الحب المتدفق.
غالبية القرارات الإنسانية التي أصدرها الملك عبدالله كان محورها مصلحة المواطن، ويمكن تصنيفها في باب الرفق بالرعية والحرص على تخفيف أعبائهم الحياتية. جعل الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ رحمه الله؛ خدمة رعيته، وبرهم والرفق بهم هدفاً لم يحد عنه.
كان لذلك البر أثراً واضحاً على الدخل العام؛ الذي بلغ أوجه العام 2012 حين بلغ 1239 مليار ريال؛ وهو الدخل الأعلى في تاريخ المملكة. وللدخل قصة وعبرة؛ فقد روى لي أحد المقربين كيف رفض الملك عبدالله؛ رحمه الله (ولي العهد آن ذاك)؛ مشروع الضرائب؛ حين واجهت المملكة صعوبات مالية وعجزاً قاسياً شكل ضغطاً على أداء الحكومة والتزاماتها المالية. وكان مما قاله في ذلك الوقت «يرزقنا الله» كلمتان فيهما عمق الإيمان والتوكل على الله؛ ومن توكل على الله كفاه. حيث بدأت أسعار النفط بالارتفاع؛ وازداد الدخل تدريجياً؛ حتى تحول العجز الدائم في الموازنة إلى فوائض مالية ضخمة؛ استطاع من خلالها خفض الدين العام من 660 مليار ريال إلى 44.3 مليار ونجح في بناء احتياطيات مالية ضخمة تفوق 2800 مليار ريال؛ وهي التي أسهمت؛ ببركة الله؛ في تجنيب المملكة أزمات مالية بعد انخفاض أسعار النفط إلى مستوى 48 دولاراً. ومع ذلك التحوط الكبير في جانبي خفض الدين وبناء الاحتياطيات انتهج الملك عبدالله سياسة الإنفاق التوسعي لتعويض الوطن فترة جمود التنمية التي حدثت بسبب قلة الدخل؛ واعتمد إنفاق ما قدره 6543 مليار ريال خلال فترة حكمه؛ جلها وجهت للإنفاق التنموي. بدأت ميزانية العام 2005 بحجم إنفاق حقيقي بلغ 341 مليار؛ ثم ارتفعت تدريجياً لتصل إلى الإنفاق القياسي الأكبر في تاريخ المملكة في العام 2014 حيث بلغ مجمل الإنفاق 1100 مليار ريال؛ بنسبة زيادة بلغت 222 في المائة تقريباً.
وجه -رحمه الله- جل الإنفاق لتنمية الوطن والمواطن؛ وأنجز أضخم المشروعات التنموية الصناعية؛ الصحية؛ التعليمية؛ والسكانية. حيث شهد الحرمين الشريفين أكبر توسعة في تاريخهما؛ وهي التوسعة الكبرى والتطوير الشامل لزيادة الاستيعاب ورفع الكفاءة والجودة. وفي قطاع التعليم أنشأ 28 جامعة؛ ودعم التعليم بموازنات ضخمة لتطويره؛ فجاء مشروع الملك عبدالله للتعليم؛ وتبعه بمشروعه للابتعاث الخارجي الذي ضم أكثر من 200 ألف طالب وطالبة؛ وإنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي حملت لواء العلم والمعرفة. وعلى المستوى السكاني؛ أنشأ وزارة الإسكان لمعالجة أزمة السكن؛ وأطلق رحمه الله مشروعه الطموح ببناء 500 ألف وحدة سكنية ورصد لها 250 مليار ريال سعودي. وفي الجانب الصحي؛ أنشأ 6 مدن طبية متكاملة في مناطق المملكة؛ إضافة إلى 11 مستشفى تخصصي؛ و33 مستشفى عام. وفي الجانب الرياضي أمر بإنشاء 11 مدينة رياضية. إضافة إلى المشروعات التنموية الأخرى؛ والتطويرية ومنها تطوير مرفقي القضاء والتعليم.
أحسب أن سخاء الإنفاق على رفاهية المواطن، وتنمية الوطن، فتحت أبواب الرزق والبركة على المملكة؛ قال تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فللإنفاق الذي يراد به وجه الله أثر مباشر على العباد، والأموال وكل ما يتصل بحياة الإنسان.
عندما اختارت مجلة «فوربس» الملك عبدالله وللمرة الثالثة ضمن أوائل الشخصيات الأكثر نفوذاً في العالم، ذكرت في حيثيات الاختيار «حرص الملك عبدالله على مصلحة شعبه» وأحسب أنها مقدمة على ما سواها، فالاهتمام بالشعب والحرص عليه تاجٌ حمله الملك عبدالله فوق رأسه، فتوجه ملكاً على عرش القلوب؛ وأكسبه الحب والتعاطف والولاء التام الذي تجلى في أجمل صوره، خلال حكمه وحياته، ثم مرضه، ثم وفاته رحمه الله وجعل ما قدم في ميزان حسناته ورزقه الفردوس الأعلى من الجنة.