يمكننا أن نقسم عالم اليوم إلى عالمين: عالم ينتج المعرفة وتطبيقاتها في كل مجالات الحياة الإنسانية وذلك من خلال البحث العلمي، وعالم آخر يستهلك فقط ما تنتجه مختبرات ومراكز بحوث العالم الأول، وسأترك لفطنتك عزيزي القارئ تحديد في أيهما يقع عالمنا العربي. البحث العلمي التربوي يشكل اليوم مصدر قوة أي نظام تعليمي، بل إن أي تعليم لا يحترم البحث لا يستحق الاحترام، فقرارات التعليم لم تعد اليوم ارتجالية فردية تبنى على انطباعات وأمزجة قياداته ومسؤوليه، بل هي قرارات يوجهها ويحكمها البحث والمنطق العلمي. هناك اليوم مراكز بحوث تربوية كثيرة منتشرة في بلادنا أنتجت العديد من البحوث التي تناولت الكثير من قضايانا التعليمية التربوية، ولكن يبدو أن تلك البحوث لا زالت في وادٍ وأصحاب القرار التعليمي في وادٍ آخر، رغم أن هذه البحوث تقدم حلولاً واعدة لكثير من أزماتنا التعليمية ومنها مثلاً: الكشف عن أوجه الضعف في مناهجنا الحالية، إبراز أوجه الهدر في تعليمنا، الكشف عن الفجوة الكبيرة بين الواقع داخل المدرسة والواقع الحياتي خارجها، اقتراح العديد من الاستراتيجيات التي تدعم وتعزز تعلُّم الطلاب، الكشف عن المهارات التي يعاني طلابنا ضعفاً فيها، وغيرها كثير. ألا تستحق البحوث التربوية التي تأتي بمثل هذه النتائج أن تكون في بؤرة اهتمام وزارة التربية، لو كنت مسؤولاً تعليمياً لكلفت فريقاً تربوياً بدراسة نتائج مئات البحوث التي أنجزتها جامعاتنا ومراكزنا البحثية، ومن ثم تحديد أبرز التوجهات التعليمية التي اتفقت عليها تلك البحوث، ومن هناك ينطلق برنامج الإصلاح الحقيقي.