20 يناير 2016م، لن يكون ما قبل ذلك اليوم كما بعده، فهو اليوم الذي استفاقت فيه صنعاء الجريحة على واقع سياسي، وعسكري جديد، بعد أن تمكنت جماعة الحوثي من السيطرة على مفاصل رئيسة في العاصمة اليمنية، بما في ذلك المؤسسات العسكرية، واقتحام دار الرئاسة؛ ليكون ما سبق
من تكتيكات احترافية غطاء؛ للتقدم على الأرض، ومن ثم الاستيلاء على العاصمة «صنعاء»، وإحداث الشلل التام في وزارات الرئاسة الحكومية.
يذهب البعض، إلى أنّ هدف الحوثيين من السيطرة على صنعاء، هو تعزيز مواقعهم؛ لانتزاع اتفاقٍ أفضل، وحصّة أكبر من السلطة؛ ممّا قدّمته لهم مخرجات الحوار الوطني، الذي جرى توقيعه في وقتٍ سابق من هذا العام. وقد تشير الدلائل على المدى القريب، أن الحركة الحوثية ستسيطر على أداء مؤسسات الدولة، وسيفتح لهم الباب لدور سياسي مؤثر في صناعة القرار السياسي للدولة اليمنية، وفي المنطقة عموماً، -وبالتالي- فرض خياراتهم العسكرية مهما كانت، وسيمنحهم أيضاً الكثير من النفوذ، وذلك وفق الواقع الذي وصلوا إليه، وهو ما يتماهى مع الخطط الإقليمية في المنطقة.
من جانب آخر، فإن المركز العربي للأبحاث، ودراسة السياسات، أشار إلى أن ثمّة أسباب، وعوامل أخرى أيضًا، ساهمت في تمكين الحوثيين من تحقيق نصرٍ سريع في صنعاء، أهمّها: ضعف حكومة محمد سالم باسندوة، وعدم تماسكها، وتوزّع الولاءات السياسية لأعضائها. وضعف الرئيس هادي أمام الفرقاء السياسيين، وعدم قدرته على الاستناد إلى قوّة عسكرية مضمونة الولاء له؛ لتنفيذ قراراته. وغياب التماسك، وتعدّد الولاءات في القوّات المسلّحة اليمنية، وانحياز بعض قياداتها إلى جماعة الحوثي، ليس لأسباب مذهبية، بل بسبب تضرّر مصالح بعضها، وعدم رضا بعضها الآخر عن عملية إعادة هيكلة القوّات المسلّحة، والحرس الجمهوري السابق، بعد رحيل علي عبدالله صالح عن السلطة.
وتردّي الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية، وارتفاع نسبة البطالة، والفقر لأغلب شرائح المجتمع اليمني، ما ولّد حالة عامة سائدة، لا تتعاطف مع النظام السياسي الحالي، لا سيّما أنّ الحوثي اتّخذ من قضايا مطلبية، ومعيشية؛ غطاءً لتحرّكه ضدّ الدولة. هذه العوامل مجتمعة، والتي نتج منها، وبتأثيرها حالة سيولة سياسية، وأمنيّة أتاحت للحوثيين الفرصة السانحة؛ للسيطرة على العاصمة، ومن ثمّ فرض شروطهم التي مثّلها اتفاق السلم، والشراكة الوطنية الأخير، والذي يُعدّ بحقّ «اتفاق فرض الأمر الواقع».
يُلخّص المشهد الكثير من صعوبة احتواء الحوثيين، الذين أصبحوا أقوى من ذي قبل، وسيعمدون إلى إدخال اليمن في دوامة من الصراع، والاقتتال الطائفي المذهبي القبلي؛ من أجل تحقيق تجزئة البلاد إلى مناطق عدة، وبالتالي فإن سقوط صنعاء بيد الحوثيين، سيخلق فراغاً سياسياً، وأمنياً، وفوضى عارمة، يصعب ملؤه. وفي محاولة لفهم هذا الواقع الذي جمع كل المتناقضات، واستعصى فهمه حتى كتابة هذه الكلمات، إذ لا يزال ثمة ثقب أسود في إعلان انتصار الانقلاب الحوثي، فإن ما جرى في الأيام القليلة الماضية، سيعطي لإيران دفعاً هائلاً؛ للمضي قدماً في دعاوى تصدير الطائفية، والإرهاب، والمضي قدماً نحو تحقيق مخططاتها التوسعية.