لم يكن نقاشاً بارداً برودة الطقس، ولاحميمياً كحميمية المقهى الصغير المتواجدان في زاويته، بل كان نقاشاً ساخناً كقهوة المساء التي جمعتهما على طاولة صغيرة مستديرة تتعالى حولها صوتيهما في حوار حول الجمال بين أحد أصدقاء اللون وآخر من أرباب الكلم الناقد والذي كان يرى أن أصدقاء اللون أكثر هشاشة وضعف من أن يصمدوا أمام رأي ناقد أو مقال عابر وتزداد حساسيتهم لأي وجهة نظر تسلط الضوء على زوايا مظلمة في أعمالهم ولو كانت صائبة تصب لمصلحة العمل بل ربما ينهار أحدهم ويوشك أن يقذف بنفسه من شرفة منزلة لمجرد أن أحدهم رأى أن الفن يوجد حتى في المهملات، أما صديق اللون فيرى أن الكُتاب حول الفن فشلوا في أن يصبحوا شيئاً مذكوراً في عالم اللون فأصبحوا يقذفون الآخرين بحجارة كلماتهم بحجة النقد ويبنون سدوداً بأسطرهم ضد الأبداع مغلبين في ذلك الأهواء والشخصنة مبتعدين عن روح النقد والإفادة والاستفادة منه كمقوم من مقومات الحراك التشكيلي في أي مجتمع ناضج، فرد عليه قائلاً: جميل منك يا صديقي أن عرفت قدر النقد وأهميته فهو العين المبصرة للفن فبالجمال يصاغ جسد الفن وبالإحساس تنبض روحه وبالفكر والثقافة ينمو ويكبر وبالنقد الصادق الجاد تكون العين القائدة والمبصرة المرشدة له بإشارات تضيف وتبني ولا تهدم الا الأدعياء الذين يرون الفن خربشة ويسوقون لتسليع الفن والقيم في سوق أشبه بسوق النخاسة مبتعدين عن الفن والقيم الإنسانية والجمالية والفكرية فلولا سياط الكلمات الناقدة والكاشفة لهذا الزيف لما استطعت أن تعرض شيئاً من جمال وسط كم التلوث الذي يروجون له.. ضحك صديق اللون قائلاً الجميل منك هذا الإقرار بوجود رسالة جمال ولون أقوم عليها أنا ومن معي من المهمشين في سوق المال الذي طغى على الفن في ضعف ردة فعل منكم يا أصدقاء الحرف والنقد، ولك مني يا صديقي إقرار بأن كل فن بدون وعي وثقافة وسعة اطلاع ليس بفن ربما يكون حرفة أو صنعة أو سمه ما شئت بعيداً عن الفن، فالفن جمال وعطاء وفكر وإحساس ورسالة ولن يكون هناك فن ناضج بدون نقد ناضج ولن يكون هناك رسالة قوية ومؤثرة إلا بنا جميعاً فليس المقهى من جمعنا رغم الاختلاف الدائم بيننا ولكن الحب للجمال والفن هو من يجمعنا دائماً يا صديقي وصديق الحرف.
صديقي يا صديق اللون.. الجمال يجمعنا باللون والحرف والمكان يتسع لنا جميعاً متى ما كانت رسالتنا صادقة بعيدة عن الزيف ونحن جميعاً أقوياء ببعضنا حرفاً ولونا ولن يصمد إلا الصادق صاحب المبدأ ولو كانت الغلبة الآن للغثاء والهباء ولكن لن تدوم فكل ينتهي ويموت عند أهدافه وأنا وأنت هدفنا لا يموت فنحن رسل فن وأصدقاء جمال.