صدر القرار الملكي مؤخراً بدمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة تسمى وزارة التعليم، وهذا الأمر يستوجب بعض التغييرات الهيكلية في الوزارتين وبالذات وزارة التعليم العالي - السابقة- لأن الهيكلة كانت واجبة حتى قبل دمجها مع التربية والتعليم في الوازرة الجديدة، التعليم. سأحاول في أكثر من مقال طرح تصورات حول هذه الهيكلة، موضحاً منذ البداية أنها أفكار أرجو أن يستفاد منها، أنطلق فيها من مبدأ وجود وزير جديد متطلع للتعرف على مختلف الأفكار قبل الإقدام على خطوات الهيكلة المتوقعة. والأهم من ذلك انتمائه السابق لمؤسسة فكرية معنية بتنمية الرأي ونشره في وسائلها الإعلامية المختلفة دون مصادرة أو وصاية غير مبررة. نرجو أن يكون ذلك مصدر تفاؤل بإحتمالية توفر الانفتاح الفكري من لدن مؤسسات التعليم العالي، في مرحلتها القادمة!
لنبدأ من الوزارة وأي وصف لوزارة التعليم العالي سيشير إلى أنها وزارة تضخمت بشكل كبير وتحولت من جهة تنسيقية إشرافية على السياسات العامة إلى جهة تنفيذية مركزية مثقلة بالمهام المختلفة سواء بإدارتها ببعض البرامج بشكل مباشر أو بسيطرتها على كثير من قرارات الجامعات المختلفة، حيث أصبح مدير الجامعة متردداً في إتخاذ أي قرار قبل العودة للوزارة، وكأنه مدير مدرسة وليس جامعة. لذلك تكون الخطوة الأولى بإعادة الرشاقة لوزارة لتعليم العالي أو ماكان يعرف بوزارة التعليم العالي. سأستخدم مصطلح التعليم العالي وأقصد به شق وزارة التعليم المعني بالتعليم العالي، على إعتبار وزارة التعليم تتكون من شقين التعليم العام والتعليم العالي.
أول برنامج تنفيذي شغلت به التعليم العالي هو برنامج البعثات الخارجية والداخلية وماله علاقة كبرنامج معادلة الشهادات. و للحق فقد قدمت جهوداً مميزة في هذا الجانب. ويمكن تقدير ذلك بشكل أكبر إذا ماعلمنا بأن المتبعثين الأوائل - قبل بداية برنامج خادم الحرمين الشريفين للإبتعاث- كانت مرجعيتهم جهات الإبتعاث المختلفة وعلى رأسها الجامعات، وبالتالي كان التعليم العالي ممثلاً في الملحقيات الثقافية وسيطاً إشرافياً على المبتعثين، مقارنة بمبتعثي برنامج خادم الحرمين الشريفين الذين تعتبر مرجعيتهم في الاختيار والتدقيق والابتعاث والمتابعة ملقاة على عاتق وزارة التعليم العالي.
برنامج الابتعاث الخارجي صاحبه البدء والتوسع في برنامج الابتعاث / المنح الداخلية، كما صاحبه زيادة مهام لجان معادلة الشهادات الصادرة من خارج المملكة، بحكم زيادة الخريجين من برامج الإبتعاث والدارسين على حسابهم الخاص.
ليس المجال هنا نقد تفاصيل العمل، لكن أشير إلى قلق نبديه على برنامج البعثات، وهو ليس بالجديد بل سبق قرار دمج وزارتي التعليم العالي والتربية في وزارة واحدة، هذا القلق يتمثل في التالي:-
1 - القلق حول استدامة/ استمرارية برنامج الابتعاث بنفس الزخم في المستقبل، والخشية من تكرار تأثره بفعل العوامل الإدارية والاجتماعية.
2 - القلق حول استمرار إنهاك وزارة التعليم بمهام الإشراف والتنفيذ المباشر لبرنامج الابتعاث الخارجي والمنح الداخلي، وهي التي أصبحت مهامها أكبر وأضخم بعد دمج وزارتين فيها.
3 - القلق حول تناقص الموارد المتاحة لبرنامج الابتعاث بفعل التقلبات الاقتصادية والإدارية.
4 - القلق حول تأثر بيئة العمل الإداري بوزارة التعليم بعوامل البيروقراطية والتضخم المالي والإداري وغير ذلك من العوامل التي يسببها كبر حجم المهام الملقاة على عاتقها، وربما حصل شيء من ذلك في وزارة التعليم العالي السابقة.
5 - القلق حول ركود وعدم تطوير أنظمة الابتعاث وآلياته الإدارية والمالية والمعرفية بسبب مرجعيته الإدارية.
عرضت قلقي تجاه برنامج الابتعاث وفي المقال القادم أكتب عن مؤسسة البعثات التي أقترح تأسيسها..