د. محمد عبدالله العوين
إلى جانب الخصائص الذاتية الخِلقية؛ كحدة الذكاء وقوة الذاكرة وطاقة الصبر على تحقيق الأهداف والجلد والمثابرة على الإنجاز، والقدرة على العمل لساعات طويلة دون ملل أو كلل، وتتبع تفاصيل أية قضية وملاحقتها إلى أن يتم الخلاص منها بنتيجة واضحة جلية؛ كما هو الشأن في القضايا المتصلة بالعدالة والإنصاف؛ جبلت شخصية الملك سلمان منذ الصغر على حب العلم والعلماء والأدب والأدباء والمثقفين والإعلاميين، والاطلاع الدقيق الواعي على ما يؤلف وينشر من كتب ومقالات، وما يثار من قضايا فكرية أو دينية أو ثقافية أو وطنية قدر الإمكان؛ فلا تفوته شاردة ولا واردة مما ينشر في الصحافة المحلية من مقالات وآراء، ولا في الصحافة العربية من كتابات لكتاب بارزين في مصر أو لبنان وغيرهما، ولا ما يذاع ويبث في أبرز المحطات الإذاعية والتلفزيونية حسبما يتيحه له الوقت المزدحم بالأعمال والمسؤوليات، ولقد كان - قبل تكاثر المطبوعات والمحطات - على اتصال مباشر بمن يكتب أو يحاور في إذاعة وتلفزيون، يناقشه ويباحثه في رؤاه؛ فيضيف معلومة غائبة أو ينبه إلى ملمح لم يكن حاضراً في ذهن الكاتب أو المحاور.
ولقد حدث لي ولغيري معه - أطال الله عمره - مواقف لا تتسع المقالة لسردها؛ ولكنني أضرب المثل - فقط - بموقفين يدلان على قدرته الشديدة على متابعة ما يكتب أو يبث؛ فبعد عودته من إجازته السنوية عرضت عليه مقالاً من ثلاث حلقات نشرته في الجزيرة عن مدينة الرياض قديماً رغبة مني في إضافة أو تعديل أو تقويم بما تخزنه ذاكرته وقراءاته المعمقة في تاريخ الرياض وما يرويه في أحاديثه عنها من قصص تعد تدويناً أميناً لتاريخ الرياض؛ فبمجرد الاطلاع السريع على عنوان المقال بحلقاته الثلاث قال: قرأتها في إجازتي وأنا خارج المملكة، وأرى إعادة نشرها في مجلة الإمارة!
وحدث أن حاورت إحدى الشخصيات السياسية الدينية في برنامج «مراجعات ثقافية» الذي كان يبث من القناة الأولى عام 1425هـ وأذيع صباح يوم خميس من 9-10 وفوجئت بعد انتهاء بث البرنامج المسجل باتصال من قصره - سلمه الله - وتحدث عن تلك الشخصية بمعلومات جديدة علي ومفيدة كل الفائدة ونبهني إلى ما كان غائباً عني وقت الحوار.
وفي حفل أهالي الرياض لمبايعة الملك عبد الله - رحمه الله - عام 1427هـ الذي شرفني بتكليفي بتقديم الحفل الخطابي نبه برؤية إعلامية واعية ودقيقة إلى ما يجب أن يفعله التلفزيون نحو هذه المناسبة بحيث تنقل على الهواء؛ وكان المقرر أن يبث الحفل مسجلاً بعد نشرة الأخبار الرئيسة في العاشرة والنصف تقريباً، وقد تم تعديل هيكل البرامج لبث الحفل مباشرة على الهواء.
لقد تكونت شخصية الملك «سلمان» على حب العمل وإنجاز المسؤوليات والانضباط الشديد في الحضور والانصراف؛ فاقتدى به كل من عمل معه وتطبعوا بطبعه؛ فلا يمكن أن يأتي إلى مكتبه في إمارة الرياض - حين كان أميراً لمنطقة الرياض - في الثامنة ولا يجد الموظفين في مكاتبهم، فهم يعلمون أن أول استقبال لمن يريد أن يلتقي بهم من الشخصيات أو المواطنين وغيرهم يبدأ في الثامنة والنصف، وفي العاشرة يبدأ استقبال لطبقة أخرى من الضيوف، وبعد صلاة الظهر يفتح المجلس الكبير لاستقبال المواطنين كافة، ولا يمكن أن ينصرف «سلمان» من مجلسه المفتوح قبل أن ينتهي من النظر في قضايا جميع الحاضرين.
وهو إلى ذلك في بقية اليوم يحضر مناسبة أو يفتتح منتدى أو يزور مريضاً في مستشفى، أو يتصل معزياً ومواسياً، حتى لو كان خارج البلاد في إجازة.
إن قائداً كبيراً يملك كل هذه القدرات الذهنية العالية ولديه المهارة العالية في ترويض النفس على اليسير من الراحة لإنجاز الكثير من العمل طوال اليوم؛ لموعودون نحن - بإذن الله تعالى - في عهده المبارك الميمون بمزيد من الإنجازات والتطوير والبناء والرخاء؛ فنحن أمام مدرسة متفردة في الإدارة والسياسة تستمد جذورها العميقة من تجربة الملك المؤسس ومما جبلت عليه شخصية الملك سلمان من قدرات وكفاءة عالية نادرة في الإدارة والحكم.