يوسف المحيميد
منذ سبتمبر 2000 وفي اليوم الثاني من الانتفاضة، حينما قتل الجيش الإسرائيلي الطفل الشهيد محمد الدرة، في مشهد درامي مؤثر للغاية، وأمام نظر والده الذي لم يستطع حمايته من الرصاص الغادر، ونحن نشهد إمعاناً في العنف، ليس من العدو، كما كنا نسميه في الستينيات والسبعينيات، وإنما من أعداء كثر، ينمون بيننا، وتحت أنظارنا، ويديرون أسلحتهم تجاهنا، بدلا ممن كنا نسميه العدو، أو الأعداء الكثر، بحجم الديكتاتوريات التي تملأ العالم أجمع!
عند اغتيال الدرّة، وأمام أنظار العالم، كنت أتساءل آنذاك، ماذا لو لم تصطد الكاميرا المشهد الحي، وتبثه إلى العالم بأكمله، هل سنعرف محمد الدرة ووالده؟ وهل لم يكن في غزة حوادث قتل أطفال إجرامية أخرى عدا هذه الحادثة؟ أم أن حوادث قتل الأطفال كانت كثيرة، لكن الكاميرات لم ترسخها في الذاكرة الجمعية للعالم، كما حادثة الدرّة؟
عندما وقعت تلك الحادثة، أجزم أن الحكومة الإسرائيلية كانت تتمنى لو دفعت الملايين دون أن تنتشر صورة الجريمة، وتبثها قنوات العالم، وتثبت بأنها حكومة عنصرية إجرامية، وتمنح الفلسطينين مزيداً من التعاطف، ولكن ما حدث مؤخراً من بث شريط حرق الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة، بواسطة داعش، هو أمر مختلف تماماً، ففي الحرق علناً، وفي مشهد قُصد فيه إثارة الرعب، ممن أسماهم الغرب قصداً (الدولة الإسلامية)، رغم ما يحمله هؤلاء من إرهاب، يضاهي ويفوق إرهاب القاعدة في أفغانستان، والذي اتفق العالم على محاربته، في هذا القتل والتصوير الاحترافي للمشهد، هو نوع من الحرب الإعلامية المدروسة، التي استثمرت وسائل التواصل الاجتماعي لتمرير هذا المشهد الصادم بتحدٍ واضح، لمشاعر المسلمين والعالم!
كذلك تداول ناشطون في موقع يوتيوب قبل يومين مقطع فيديو صادم، قيل إنه لرجل شرطة سويدي، وهو يجثم فوق صدر طفل مغربي مسلم، لا يتجاوز عمره تسع سنوات، في محطة للقطار بمدينة مالمو، وهو يضع يده على فمه وأنفه معاً، محاولاً خنقه، بينما الطفل المسلم يردد الشهادتين بصعوبة!
هل العالم أصبح أكثر قسوة وعنفاً وشراسة؟ هل تخلى العالم عن إنسانيته تماماً؟ هل فقد العالم أخلاقياته التي كانت حاضرة، بشكل معقول في القرن الماضي؟ لماذا تحول العالم إلى عالم وحشي، وبدائي، ومستبد؟ أم أنه لم يتغير فيه سوى أن عدسة الكاميرات أصبحت موجودة في جيوب المارة؟ شخصياً أؤمن يدور التقنية في نقل بشاعة العالم، لكن العالم فقد كثيراً من أخلاقياته ومبادئه، وهو يدخل في نفق لا آخر له!