د. خيرية السقاف
يقال «يبقى الكبير كبيراً»...، غير أنّ هذه ليست قاعدة..، لأنّ الصغير يمكن أن يغدو كبيراً..
وخير مثال على هذا هو أنّ الجبل الكبير يصغر حين ينحت منه..،
ويفنى حين يُزال..،
ويصبح «أثراً بعد عين» حين تُردم بقاياه..!!
كما أنّ البناء الصغير حين يزاد عليه يكبر..،
بل تنوف الأشجار الصغيرة، وتتلاشى السحب العريضة..!
كذلك الإنسان..!
حين يوسم بالكبر فلأنه النبيل الكريم، المعطاء، الرحيم، العزيز النزيه، الشهم ذو الخلق، المؤثِر على نفسه،.. ذو الموقف الواضح، والحق الساطع، والإنصاف النقي، والصدق الجلي.. و.. و..!
ويصغر هذا الكبير حين تدخل فيه الأخلاط..، وتنازعه الشهوات، وتغلبه الدنايا، ويقترب من المستنقعات فيغرف..، ومن ريح الهوى فينهج..!
حينها الكبير العزيز يوضع..، الكريم يبخل، الشهم يخس، الزاهد يطمع، الباذل يبخل، الرحيم يقسو، الصادق يكذب، الأمين يحتال، الوفي يخون، ... و.. و..!
فلا تؤثر في الكبير ليصغر إلاّ غلبة الدنايا وشهوات الدنيا بحيل الأولى، ومغريات الأخرى..!!
وكبره لا يثبت إلاّ في بقائه ثابتاً قوياً دونهما في نبع نقي من دكن المؤثرات، وطحالب المغريات..!
ومن قبل، وبعد بإيمانه المطلق بفنائية الدنيا، ونهايات الأشياء..
فهي حاصلة بلا ريب، آتية دون وجل..!
بمثل ذلك يكبر الصغير حين يكون صغيراَ، متى ما تعلّم ففهم، وقارن فوعي، وجرّب فازداد،..
وحين يحدث له هذا يترفّع عن الوضاعة، ويزهد في الطمع، ويتجنب القسوة، والظلم، والكذب، والاحتيال، والخيانة، والأثرة، ويعي حاجة من كان هو مثله فيبذل، ويشهم، ويعف، ويتطهّر، ويصدق، ويكف عن التدني، ويرفض الإغواء، ويتنزه عن الدنايا..، ويلجم الدنيا فيه..!!
كل شيء قابل للتغيير الأفضل، أو الأسوأ..،
تحديداً ما في الإنسان من مكنون، وفعل، بكل ما مكتسباته، وخسائره..!!
أجل، ليس كل كبير كبيراً،..
كما أنّ ليس كل صغير صغيراً،..
ذلك في مقياس مفهوم الكبر، والصغر لا في الأطوال الظاهرة..،
ولا في الأعمار السائرة..!!
وإنما فيما يكون عليه..، وفيما يكمن فيه..، وفيما يصدر عنه..!!