د. محمد عبدالله الخازم
أشارت أكثر التعليقات المتفائلة بضم وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، إلى أنّ الدمج سيدفع باستقلالية الجامعات عن وزارة التعليم. لن يكفي مجرد إلغاء مجلس التعليم العالي أو أن يؤسس للجامعة مجلس أمناء فتصبح الجامعة مستقلة بين يوم وليلة. الجامعة السعودية تعاني تنظيمياً وإدارياً ومالياً، وبسبب طول الفترة التي سيطرت فيها نظم الجامعات والتعليم العالي الموحّدة ونظم الخدمة المدنية ونظم المالية والميزانية الحكومية، لم يَعُد لدينا نموذج مختلف يمكن القول بأفضليته. الغالبية بما فيهم قيادات الجامعات الحالية ليس لديهم القدرة للتفكير خارج صندوق التنظيم التقليدي الموحّد للتعليم العالي بالمملكة.
تطوير الجامعة واستقلاليتها يتطلب إصلاح نظامها المالي والإداري بما يكفل لها الاستقلالية - النسبية - في الجوانب المالية والإدارية. حالياً تحصل الجامعة السعودية على مواردها المالية من الدولة كأي جهاز حكومي وفق طرق تقليدية ليست مرتبطة بمعايير إنتاجية أكاديمية واضحة كعدد الطلاب أو الإنتاج العلمي والمعرفي للجامعة. الأمثلة والتفاصيل كثيرة، لكن هذا مقال صحفي وليس دراسة أكاديمية، وعليه أختصر وأطرح مباشرة التصور الذي أراه مدخلاً للإصلاح المالي و للاستقلالية والتنافسية. التصور يبدأ باستبدال أبواب الميزانية الحكومية المتعارف عليها، بأربعة أبواب أو بنود تناسب وظيفة الجامعة وتحفز إنتاجيتها وتطور كفاءتها.
أولاً: بند المنح الدراسية، بحيث يكون البند الأول والأساسي في الميزانية مبنياً على شكل منح دراسية، تقدر بناءً على قدرات الجامعة وعلى الاحتياجات والخطط التنموية للدولة، وغير ذلك من المعايير التي يمكن رسمها بالتعاون مع وزارة التعليم والجهات التوظيفية. المنح يمكن تقديرها وفق معدّل التكلفة الدراسية للطالب الجامعي وفق حزم التخصصات المختلفة (العلوم الإنسانية، الطب، التخصصات الهندسية، إلخ) وتشمل الطلاب المستجدين والمستمرين. لو افترضنا أنّ معدّل المنحة يبلغ 30 - 40 ألف ريال ولدى الجامعة 30 ألف طالب، فذلك يعني ميزانية تشغيلية تبلغ حوالي المليار ريال، من هذا البند فقط.
ثانياً: بند المشاريع، وهذه الميزانية الغرض منها مساعدة الجامعات التي هي بحاجة إلى مشاريع كبرى. أقترح أن يحدد حجم المبلغ المخصص للمشاريع الجامعية بصفة عامة ومن ثم تتنافس الجامعات على الحصول على دعم مشاريعها من خلاله. هذا الأمر يتطلب وجود معايير مقننة تتيح المنافسة العادلة والشفافة بين الجميع، بحيث لا نجد الدعم يتجه لمشاريع الجامعة صاحبة العلاقات الأقوى بديوان المالية.
ثالثاً: بند أو بنود التميز الإضافية، وهذا الجزء من الميزانية يبنى على معايير التميز فيكون مقابل التميز في الإنتاج البحثي وفي نسبة توظيف خريجي الجامعة خلال أول سنة من تخرجهم وحجم المساهمات المجتمعية المنجزة، وغير ذلك من الجوانب التي يطلب من الجامعات التميز فيها. بمعنى آخر المتميز في الأداء وفي القيم المضافة سيجد مزيداً من الدعم.
رابعاً: بند البرامج التشغيلية الخاصة، مثال برنامج تشغيل المستشفى الجامعي أو المستشفى البيطري - على غرار برامج التشغيل الذاتي المتعارف عليها في المجال الصحي. رغم أن لي وجهة نظر أخرى في تشغيل المستشفيات الجامعية، لكن لا بأس من تبني فكرة برامج التشغيل ريثما يتطور فكر جديد في إدارة المستشفيات الجامعية والسعودية بصفة عامة.
هذا التحديد للموارد الحكومية مع منح الجامعة الاستقلالية في تحديد بنودها الداخلية، سيقود إلى عدالة التنافس بينها في الحصول على الموارد وضبط المصروفات والبحث عن التميز، الذي يمنحها مزيد من الموارد، إضافة إلى ذلك فالجامعة مسؤولة عن تنمية مواردها الأخرى عبر الرسوم الدراسية لمن لا تشمله المنح الحكومية، الحصول على المنح البحثية، الاستثمارات البحثية والأكاديمية والإنشائية، بيع الخدمات، موارد الأوقاف والهبات والتبرعات ... إلخ.
(يتبع)