هدى بنت فهد المعجل
أثبتت الأبحاث العلمية أن المرء حينما يكون في حالة غضب شديد يصعب عليه تذكر المعلومات التي مرت في خبرته كما ويتعذر عليه أن يستدعيها. لهذا، يعد الغضب من العوائق الأساسية للتفكير المنظم والتسلسل المنطقي والاستنتاج المقبول، فالشخص المنفعل عندما نتحاور معه نجده يدور حول فكرة واحدة يقوم بتكرارها
لأنه واقع تحت سيطرة الإثارة الشديدة التي تُعميه عن باقي الأفكار الجديدة وتُغيّب عن ذهنه كثيرًا من الحلول والحقائق المثمرة. حيث ذهب الأخصائي النفسي الحاصل على دكتوراه في دراسة الغضب «تشارلز سبيلبيرجر» إلى أن الغضب إحساس أو عاطفة شعورية تختلف حدتها من الاستثارة الخفيفة انتهاء إلى الثورة الحادة. وفي اصطلاح علماء النفس: هو انفعالٌ وتوتّرٌ نفسيٌّ، تصحبه متغيّرات فسيولوجية (بدنية)، تثيره دوافع داخلية، ومثيرات خارجية مادّية ومعنوية مؤذية، ويميل الفرد أثناء الغضب إِلَى العدوان، وقد ينغمس فيه بحسب الدرجة والموقف المتأزّم عبر صورٍ عديدة، منها:
1 - إيماءات جسدية، كتعابير الوجه وحركة اليد الدالة على السخط.
2 - لفظيّة, كتوجيه النقد الجارح، الإهانات، الهزء والسخرية، وما شابه ذلك.
3 - الاعتداء المباشر، والإيذاء الجسدي، وتهشيم الممتلكات.
وعند عجز الفرد عن توجيه العدوان إِلَى مصدرٍ خارجيٍّ، هو موضوع غضبه، يرتدُّ على الذات، وقد يتحوّل إِلَى غضب مكبوت وأحقاد.
وغاية الغضب عموماً هي الانتقام وردّ العدوان إِلَى مبدئه بعد وقوعه، أو دفعه قبل حصوله.
وترى الدكتورة سحر فاروق أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس أن الشعور بالغضب هو أكثر الحالات المزاجية التي يصعب على الإنسان التخلص منها، حيث أنه يثير بداخلنا العديد من المشاعر السيئة، وذلك حين يتصاعد حوار داخلي يمس مشاعر الغضب ويؤيدها بأسباب تزيد من اشتعاله، كما أن زيادة التأمل في الأسباب التي أدت بنا إلى الغضب بجعلنا نفكر في أسباب أخرى لاستمرار حالة الغضب، مما يزيد من اشتعال هذا الشعور، وبالتالي فإن أفضل وسيلة للتخلص من الغضب هو إعادة تشكيل الموقف والنظر إليه بطريقة مختلفة.
ومما هو جدير بالذكر أن مسببات الغضب لدى المراهقين تختلف عنها لدى الأطفال، فغالباً ما تكون أسباب الغضب في مرحلة المراهقة تتعلق بأشخاص أكثر من تعلقها بأشياء، فغالبا ما يتعرض المراهق إلى نوبات الغضب الناتجة عن القلق والاستفزاز من الآخرين، وحينما يتعرض إلى سيطرة أحد الوالدين على تصرفاته واختياراته لأصدقائه. ومن الملفت للانتباه أن الغضب لا يتبين من مرحلة عمرية إلى أخرى فحسب، بل يختلف أيضا بناء على اختلاف الترتيب الميلادي للفرد، وأكثر كبح الغضب في مراحل أواسط العمر بينما أقل في مرحلة الشيخوخة. ولقد أكد «موهانني» أن علاج الغضب يتم من خلال استبعاد مصادر الاحباط غير المرغوب فيها، والمسببة للغضب، والتعبير عن الغضب يجب أن يتم في ضوء القيم الاجتماعية المقبولة، وبوجهة نظر عامة لابد أن يعالج الغضب من خلال معرفة كل العوامل المسببة له ومحاولة مواجهتها والتغلب عليها. بناءً على بحث قُدم في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للطب النفسي في عام 2010، قال أحد المشاركين «إن مشاعر وسلوكيات الغضب مُنتشرةٌ جداً وبصورةٍ عميقة ومُدمّرة بشكلٍ فظيع»، لذلك طالب بعض الأطباء النفسيين بأن يُدرج هذا السلوك تحت الاضطرابات النفسية كاضطراب نفسي مستقل بمُسمى «اضطراب ما بعد نوبات صدمة الغضب». بينما شرح الدكتور مايكل لندن، ذلك بأن «هذا الاضطراب يُشبه ويُحاكي اضطراب ما بعد الحوادث المؤلمة، لأنه ايضاً استجابة للصدمة للشخص». «بينما المصابون باضطراب ما بعد الحوادث المؤلمة يبقون خائفين وقلقين» فإن الأشخاص الذين يُعانون من نوبات الغضب المستمر يبقون بعد هذه النوبات يبحثون عن «الثأر». وقال د. لندن: إنهم يشعرون بأن العالم يُعاملهم بشكلٍ غير عادل!، إنها خطوة مُعقّدة أكثر من مجرد الغضب العادي. إن هؤلاء الاشخاص يشعرون بالغضب والإحباط واليأس. وأشار الدكتور لندن إلى أن مثل هؤلاء الاشخاص عادةً يكونون أشخاصا طيبين ويعملون بأمور جيدة وبشكلٍ جاد في وظائفهم، وفي العلاقات الإنسانية وكذلك الأنشطة العامة. لكن يعتقدون بشيء ما غير جيد حدث، غير متوقّع. عندئذ يقع شعور من قبل الأشخاص بأنهم يُعانون من عدم العدل في حياتهم وبدلاً من التعامل مع هذه الأحداث بعقلانية، لا يدعون الأمر يمر ويشعرون بأنهم ضحايا ويستعدون للثأر. لذا اهتم علماء النفس بالغضب وقدموا وسائل وكيفيات للتعامل مع الشخص الغاضب التي أراها مهمة أهمية تعليم الشخص كيف يستطيإدارة غضبه بالتالي التحكم في انفعالاته.