أ. د.عثمان بن صالح العامر
كثيرون منا لا يعرفون الوزن الحقيقي للمملكة العربية السعودية الديني والسياسي والاقتصادي بل حتى البشري، ولا يدركون حجم الآمال التي يعقدها العالم العربي والإسلامي عليها، وأكثر من أولئك وهؤلاء من لا يُقَدِّر ما هو فيه من نعمة، يتمنى شيئاً منها بشرٌ كثرٌ في عالمنا القريب فضلاً عن البعيد، ولذلك تراه وهو متكئ على أريكته يكتب ويغرِّد، يشرِّق ويغرِّب، يسبُّ ويشتم، يرغي ويزبد، يتذمَّر ويدمِّر عند أدنى سبب، وربما بدون أسباب يقرها العقل السليم، وقد يضخِّم الأمور ويلبسها لباس الفساد والإفساد، وهي في حقيقتها مجرد اجتهاد شخصي ولَّدَ خطأً فردياً لا يحتمل كل هذا السيل من الهجاء والتدجيل والتخوين.
المؤتمر العالمي الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي أقامته رابطة العالم الإسلامي في رحاب مكة المكرمة، واختُتم أعماله يوم الأربعاء الماضي أتاح لي، مثل غيري ممن شاركوا في هذا الحدث الدولي المهم، أن ألتقي علماء ومفكرين وإعلاميين وكتاب متميزين ومميزين من مختلف دول العالم، وكانت أيامه الأربعة فرصة سانحة أن نسمع نحن السعوديين من هؤلاء المشاركين طرفاً من الواقع الذي يعيشه بنو آدم في أرض الله الواسعة، سواء في العالم (الأمريكي أو الأوروبي أو الأفريقي أو العربي)، قد لا يدرك خباياه ويكشف أسراره السائح والمسافر بصفته الشخصية إلى هناك مهما حاول جهده لمعرفة الحقيقية، وبذل ماله وأنفق وقته ووظَّف علاقاته وسخَّرها لهذا الأمر، ليس هذا فحسب، بل أسمعنا هؤلاء المشاركون عن بلادنا الغالية ما كنا في ظل ما نتنعم به ونتفيأ ظلاله ونتقلب في ردهاته عنه غافلون.
إنَّ منَّا جيلاً ذهبياً لم يعرف من الماضي الذي كان فيه أجدادنا إلا حكايات وقصصاً تمر عابرة على مسمعه، وكأنها أساطير الأولين.. لا يتخيل مجرد تخيل أنَّ ما قيل بعد منتصف الليل في جلسة عائلية خاصة كان هنا يوماً ما، في ذات الأرض التي يعيش عليها ويتنقل بين جنباتها، وذاق مرارتها أناس مثلنا، وما نحن إلا أحفاد لهم وأبناء، وفي الوقت ذاته هو شخص لا يهتم بالحاضر الذي يرزح تحت وطأته بنو الإنسان هنا وهناك، المهجَّر منهم أو المعذَّب أو السجين أو المكلوم في أهله وعرضه وماله، فضلاً عن الفاقد لمقومات البقاء في بلاده، الباحث عن حيازة الدنيا التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة (آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه).
إنَّ لنا الحق أن نفخر ونفاخر ببلادنا الغالية، نشكر الله عز وجل أولاً وأخيراً على الإسلام والأمن والخير واللحمة الوطنية بين القيادة والشعب والتعاون والتكاتف والتناصر بين بعضنا البعض، ثم نشكر ولاة أمرنا وندعو الله لهم سراً وجهراً لما يبذلونه من جهد من أجل إنسان الوطن وأرضه.
كم كنت أتمنى أن ينقل الإعلام المرئي والمسموع ما جاء على لسان هؤلاء الذين كانوا قبل سنوات في نعيم، ولكن حدث لهم ولأوطانهم ما لم يكن في حسبان أحد، بعد أن غيرت شريحة عريضة منهم ما بأنفسهم، فكانت سنة الله الجارية التي لا تتبدل ولا تتغير، غير الله حالهم إلى ما لا يخفى على ذي لبٍّ، تحول المشهد الآمن الذي كانوا يرفلون فيه إلى براكين ثائرة وأشلاء معلقة، وسال سيل من الدماء البريئة في الطرقات والشوارع والممرات لم يستطع أحد أن يوقفه حتى تاريخه.
إننا مثل غيرنا شعب من الشعوب التي خلقها الله واستخلفها في أرضه، وليس بيننا وبين الله نسب، وليس لنا مزية ولا خصيصة على غيرنا، لذلك علينا أشخاصاً ومؤسسات حكومية وخاصة وأهلية أن نحافظ على أمننا ونعض عليه بالنواجذ، والعاقل من اتعظ بغيره. حفظ الله بلادنا وحمى أوطاننا وألف بين قلوبنا ووحد صفنا وأعلى كلمتنا ونصر وأيد قيادتنا وجعل رايتنا خفاقة في جميع المحافل الدولية ودمت عزيزاً يا وطني. وإلى لقاء، وتقبلوا صادق الود والسلام.