د. عبدالواحد الحميد
من الثوابت الراسخة في تجارب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف البلدان ذلك الدور الذي تلعبه شبكات المواصلات في إنعاش المجتمعات المحلية وتطويرها. ومن الناحية التاريخية، فقد لعبت شبكات السكك الحديدية، بشكل خاص، ذلك الدور بكل اقتدار في بلدان صناعية كبريطانيا والولايات المتحدة، فضلاً عن الأنواع الأخرى من وسائط النقل البري والبحري والجوي.
وخلال السنوات الأخيرة حدثت نقلة كبيرة في شبكة المواصلات في المملكة مما أتاح لجميع المناطق أن تنفتح بشكل أكبر على الأسواق الأخرى داخل المملكة وتصريف منتجاتها ونقلها إلى مراكز الاستهلاك والتصنيع، وهذا ما نلاحظه ـ على سبيل المثال ـ في قطاع المعادن بشمال المملكة مما يبشر بتنمية اقتصادية واجتماعية متزايدة في تلك المناطق خلال السنوات القليلة القادمة إذا سارت الأمور على النحو الموعود في الخطط التي أعلنت وتعلن عنها تباعاً الجهات ذات العلاقة.
وقد بشرنا وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف منذ أيام أن التشغيل التجريبي لقطار الشمال سوف يتم خلال النصف الثاني من العام الحالي، وهذا يشمل التشغيل التجاري والركاب. ومعروف أن قطار المعادن الذي ينقل الفوسفات والبوكسايت من شمال المملكة قد دخل الخدمة منذ سنوات مما مكن الاقتصاد الوطني من استخدام تلك المواد الخام في إنتاج الألمنيوم. هذا الدور المهم الذي تحتله شبكة السكك الحديدية في تنمية مناطق المملكة من المتوقع أن يتضاعف لأن مشروعات التوسع في مد الشبكة تتوالى، وهو الأمر الذي سيخفف من الاعتماد على الشاحنات في نقل البضائع والمنتجات البترولية ويسهم في تحقيق السلامة والسرعة والكفاءة على امتداد شبكات الطرق. لكن الإسهام التنموي لشبكة السكك الحديدية لا يقتصر على نقل الركاب والبضائع، وإنما يتجاوزه إلى خلق صناعة متخصصة في مجال سكك الحديد بكل ما يحفل به ذلك القطاع من متطلبات البنية التحتية والصيانة والتوظيف والتطوير. وهذا، بالضبط، ما نأمل أن يتحقق من خلال تنفيذ المشاريع التي أعلن وزير المالية عن بعض تفاصيلها في الأسبوع الماضي خلال حفل توقيع عقد الإدارة والتشغيل والدعم الفني لمشروع قطار الشمال مع تحالف بريطاني يضم عدداً من الشركات العريقة في مجال السكك الحديدية حيث تضمن العقد بنوداً تُلزم الشركات الأجنبية المتحالفة بتقديم التدريب للكوادر السعودية لنقل التقنية الحديثة المتقدمة في هذا المجال. بمعنى آخر، لا يمكن تحقيق المكاسب التنموية الشمولية بمجرد بناء سكة للحديد وإنما يجب أن يُضاف إلى ذلك برنامج مواز للتوظيف ونقل التقنية وتوطينها وكذلك تكثيف الاستثمار في القطاعات التي تتميز بها المناطق، وعند ذلك لا نحصد فقط النتائج التنموية المباشرة المتحققة لقطاع النقل بل نضيف إلى ذلك النتائج غير المباشرة والمتمثلة في إنعاش وتنمية القطاعات الأخرى. وهذا ما نتمناه ونتطلع إلى أن نراه متحققاً من تنفيذ مشاريع سكك الحديد.