محمد المنيف
انتشر الفن الجرافيكي (الرسم على الجدران)، وخصوصاً في الأحياء الفقيرة في دول غربية، من أشهرها الولايات المتحدة. وتتضمن تلك اللوحات كلمات ذات مضامين سياسية أو اجتماعية، وتحمل أحياناً عبارات جارحة أو عدائية موجهة لأفراد أو مؤسسات، يرى من يقوم بها أن الجدران مجالاً حرًّا لأفعال يخفي الكثير منها غير ما تظهره من إبداع؛ فأصبحت أفعالاً مخالفة للقوانين؛ كونها تتجاوز حرية الفرد إلى حرية الآخرين والتشهير بهم، أو وصمهم بما ليس فيهم، إضافة إلى أن ما يتم من فعل بأي شكل أو أسلوب تعدٍّ على ممتلكات الآخرين، يقوم به أناس غير معروفين، ويمارسون رسمها في أوقات غير معلومة، أكثرها في الليل بعيداً عن أعين الناس.
هذا الفن وطريقة تنفيذه غير الرسمية أو بدون موافقات نظامية يشبه سلوكيات التفحيط؛ فالضرر في الأمرين متشابه مع اختلاف التأثير. فالرسم الجرافيكي في الدول التي تعرضت للثورات أطلق عليه فن الثورة، يستخدمه بعض الأطراف ضد بعضها، وقامت السلطات بالقضاء عليه وطمسه من الجدران. وإذا عدنا إلى التأثير بين الجرافيك والتفحيط فالأول تأثيره فكري، وأحياناً أخلاقي، وفي التفحيط تأثيره على الأرواح من وفيات، والأجساد من إصابات. وأسبابها تحتاج إلى دراسة، وتوظيفها بشكل يمكن من خلاله إعادة توازن الممارس للفعل السيئ فيهما؛ إذ بالإمكان استحداث ميادين للتفحيط، وعلى المشارك الالتزام بالمواصفات لسيارته المعدة للتفحيط التي تحميه من الأخطار. كما يمكن من جانب المبدعين في الجرافيك أن تتم إبداعاتهم تحت رقابة، وبشكل مدروس من حيث اختيار المكان وتجهيزه، وخصوصاً التي ينفذها موهوبون وأصحاب تجارب وخبرات في التكوين والتلوين؛ لتظهر كجزء من جمال المكان، وتحقق الهدف منها، سواء كان تعليمياً أو توعوياً؛ إذ إن مثل هذه الأعمال وفي مساحات متفق عليها، وبموافقة أصحاب الممتلكات، مثل جدران المدارس، أو الواقعة على ساحات أعدت للبيع أو الشراء، أو ملاعب للأحياء، وإقامة أسوار على الأراضي الفضاء التي تشوه كثيراً من شوارع المدن، تشكِّل معرضاً في الهواء الطلق، يُشاهَد بشكل يومي، ويمتد حسب الفترة المقررة له، أو الفكرة التي قام عليها ولها؛ وذلك للاستفادة من إبداعات الجرافيكيين، وتنمية مواهبهم عبر تقديم تصاميمها إلى لجان متخصصة في الأعمال الفنية من الجانب الفني والنفسي، واختيار العبارة والجملة والقيمة اللونية.
أعلم أن هناك من يختلف معي على التشبيه، ويتفق على أن الفن الجرافيكي أكثر رقيًّا من التفحيط، لكنهما يلتقيان في حالة إساءة كل منهما لنفسه أو للآخرين.