د. عبدالرحمن الشلاش
صعدت روح الإعلامي محمد الثبيتي إلى بارئها ملتحقة بمواكب الراحلين من ضحايا الأخطاء الطبية الفادحة والمرتكبة على مدى عقود من الزمن. ترك رحيله بهذه الوضعية من اللا مبالاة والإهمال كثيراً من الأسئلة المكررة عن ضعف الكفاءات الطبية، وسوء أداء المساعدين الصحيين، وغياب المتابعة، وأخيراً عدم توصل وزارة الصحة لحلول جذرية تساعد على تحسين الخدمات وتمنع تكرار الأخطاء البدائية التي قتلت العشرات.
المرحوم محمد الثبيتي - جبرَ الله مصاب عائلته ومحبيه -، دخل المستشفى لإجراء عملية بسيطة لخُرَاج في جسمه. كما هو معلوم هذه العمليات تُصنّف بأنها من العمليات البسيطة والسهلة مثلها مثل عمليات الزائدة واللوز واللحمية وإزالة الأكياس الدهنية، وبالفعل أُجريت العملية وحالفها النجاح إلا أن خطأ قاتلاً ارتكبه أحد أفراد الفريق الطبي، ومن الواضح أنه غير مدرب إذ فصل جهاز الأوكسجين ولم يعرف كيفية إعادة وضعه على المريض لفترة قاربت العشر دقائق، وهو الوقت الذي كان فيه قلب محمد متوقف عن النبض, وبعد محاولات لتركيب أنبوب الأوكسجين بعد فوات الأوان، كان محمد - رحمه الله - قد فقد الوعي ليدخل بعدها في غيبوبة إلى أن توفاه الله وسط أجواء عاصفة من ألم اعتصر القلوب وخلف أسى وحسرة دون اعتراض على مشيئة الله، ولكن سخطاً على إهمال البشر وتكرار الأخطاء دون تصحيح لوضع غير مرضٍ.
هنا نتساءل: كيف تُجرى عملية جراحية دون وجود متخصص خبير في فك وتركيب تلك الأجهزة؟.. وإذا كانت وزارة الصحة قد حظرت سفر الطبيب المشرف على حالة محمد، وأحالت القضية للمدعي العام، وكل ذلك بعد وفاة المريض فما الفائدة التي ستجنيها عائلته.. صحيح أن اتخاذ الإجراءات مطلوب لمعاقبة كل مهمل ومقصر وجانٍ، وهو جزء من عمل الوزارة، لكن هل سيحد من الأخطاء الكوارثية مستقبلاً.. تلك الأخطاء تحدث في حالات مرضية سهلة ويسيرة، فكيف التعاطي مع الحالات الصعبة؟.. لو كانت العملية لحالة صعبة أو مستعصية ونسب النجاح فيها ضئيلة لربما هان الأمر, ولو لم يُوفق الطبيب في إتقان العملية, أما أن تزهق الأرواح بهذه السهولة، فهذا مكمن المشكلة؟
كيف يدخل المريض لغرفة عمليات غير مكتملة الشروط الصحية المطلوبة في هذه الظروف الحرجة والتي لا تحتمل أي خطأ مثل التعقيم والتخدير والنظافة الكاملة وأجهزة الأوكسجين، علاوة على تواجد كوادر طبية مؤهلة ومساعدين لهم مدربين تدريباً عالياً على كيفية تشغيل الأجهزة, لأن انقطاع الأوكسجين عن محمد الثبيتي - يرحمه الله - ولدقائق معدودة أدى إلى دخوله في غيبوبة, ولأن المساعد المباشر للحالة جاهل بكيفية التركيب، فقد ارتكب خطأ جسيماً في ظل غياب الطبيب المشرف وفوضوية الإدارة.
أعرف أن الأخطاء الطبية ليست جديدة، ولذلك أشرت إلى أنه قد وقع ضحيتها كثيرٌ من المرضى، حالات بعضهم عادية.. لكن السؤال الذي طُرح وسيُطرح مستقبلاً: ماذا فعلت وزارة الصحة لتجاوز هذه المرحلة المقلقة؟.. هل أعادت النظر في كوادرها الطبية, وهل درّبت الكوادر والمساعدين الجدد؟.. أم أنها تركت الأمور على حالها لنشهد كل فترة خطأ طبياً قاتلاً يزهق روحاً جديدة ويهز أركان المجتمع؟