فهد الحوشاني
الفيلم من إخراج كلينت استوود وكتابة جيسون هول، وهو مقتبس من مذكرات العسكري الأمريكي كريس كايل، الذي شارك في غزو العراق والفيلم من بطولة برادلي كوبر وسينا ميلير، يعد كريس كايل أكثر الرماة فتكاً في تاريخ الولايات المتحدة العسكري، وقد ألف كتابا حول خدمته في العراق، التي امتدت من عام 1999 وحتى 2009، إذ ذكر أنه قتل 255 عراقياً في 10 سنوات، منهم 160 تم تأكيدهم من قبل وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، ليصبح «قناص أمريكا الأول»، والأشد فتكاً في تاريخها، وقد قتله جندي آخر في محل للرماية في ولاية تكساس عام 2013م.
بدا الفيلم.. متخذا من صوت الاذان خلفية للتتر، بلقطات لحي مدمر والصورة بشكل عام لا تشي إلا بالقذارة والتخلف والفوضى تجوبها الدبابات الأمريكية.. جنود يقتحمون البيوت وسط صياح وعويل الأطفال والنساء العراقيات.. أم تخرج إلى الشارع تعطي ابنها الصغير قنبلة كي يلقيها على رتل من الدبابات الأمريكية، لكن (القناص) الذي يستقر في سطح أحد الأبنية يطلق النار على الطفل فيقتله، وعندما تحاول الأم رمي القنبلة يقتلها هي الأخرى.
إذا فبداية الفيلم تبدأ بقتل طفل وامرأة، تتوالي مشاهد «فلاش باك» لطفولة القناص وهو يصيد غزالا وذهابه للكنيسة، ثم وهو يكبر ويتزوج، وفي صالة البيت تعرض شاشة التلفزيون مشهد التفجير الإرهابي للسفارة الأمريكية في تنزانيا ثم بعد عدة أحداث يعرض التلفزيون مشهد تفجير برجي التجارة في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2011م «طبعا العراق ليس له دخل في هاتين الجريمتين مثلما لم يكن لديه أسلحة الدمار الشامل»، لكن المؤلف يحاول أن يجد مبررا لهذا الشباب ليلتحق بالجيش فيكون التحاقه كما أرى بدافع الانتقام وليس الدفاع عن أمريكا كما هي الرسالة المظللة التي يريد أن يوصلها الفيلم إلى الشعب الأمريكي.
اللقطات عن العراق كانت دائما لمجموعة من البيوت المتهالكة والمقاتلين ذوي الأشكال الصارمة والملابس الرثة، وكأنهم مجموعة من العصابات بسيارات متهرئة وقديمة، يحاولون دائما الهجوم على القوات الأمريكية، تستمر اللقطات والمعارك الصغيرة بين مقاتلين عراقيين والجنود الأمريكيين، جميعها يكون للقناص دور كبير في تغيير مسار الأحداث لصالح الأمريكيين.
الفيلم حمل تفاصيل كثيرة لحياة الجندي الأمريكي ومعاناته، لكن رسالة الفيلم الأساسية هي ترسيخ القتل وتجميله تحت مبررات غير صحيحة، وتجعل من القاتل بطلا قوميا حتى وان قتل الأطفال والنساء، وان قطع آلاف الأميال ليقاتل بلداً وشعباً لم يعاد أمريكا ولم يسيء للشعب الأمريكي، إنها لعبة السياسة والسينما التي لا يمكن الفصل بينهما في هذا الفيلم، في السياسة محاولة لتأكيد أن الحرب في مجملها دفاع عن الشعب الأمريكي، والسينما أيضا عزفت على هذا الوتر وعينها على شباك التذاكر.
لقد كان توقيت الفيلم في غاية السوء فهو جاء بعد عدد من الحوادث الإرهابية والتي قام بها مجرمون من الظلم إلصاق أعمالهم بالإسلام والمسلمين، لهذا فليس من المستغرب أن يعزز الفيلم مشاعر الكراهية ويصب الزيت على نارها، فمن الجانب الأمريكي رصدت وسائل التواصل الكثير من الآراء السلبية تجاه العرب والمسلمين، لدرجة أنك تجد من يريد بنفسه أن يقتل العرب والمسلمين، وهذه النتيجة تعتبر كارثة على المستوى الإنساني لأنها تغذي الإرهاب والكراهية والإسلامفوبيا، قدمها الفيلم بشكل (درامي) مؤثر لعالم تأمل شعوبه في العيش بسلام، بينما تقدم نفس النتيجة «داعش» ولكن بأسلوبها الدموي الوحشي.
ومن الجانب العربي والإسلامي كان هناك الكثير من الشجب والإدانة من المنظمات العربية والإسلامية في أمريكا للفيلم، وفي وسائل التواصل الاجتماعي كان الفيلم مبررا لبعض العرب والمسلمين لاستمرار مشاعرهم السلبية تجاه أمريكا وسياستها وإعلامها، إذا كان العالم بحاجة إلى أصوات عاقلة تسعى إلى ترسيخ مفاهيم السلام والثقة المتبادلة بين الشعوب، ويزيح عنها فكرة صراع الحضارات والأديان وغيرها، فإن هذا الفيلم السينمائي يكرس ويعيد كل الصراعات إلى الحلبة، بل يبرر قتل الآخرين واحتلال بلدانهم، ويبارك للقاتل ما فعل ويشوه صورة الضحية، لتكون هي مصدر الشر في الفيلم.