د.عبد العزيز بن محمد الغزي
كل عاقل ولو لم يكن مجرباً يعرف أن الأمن هو الحياة وأنه لا حياة بلا أمن، ومن أشرب قلبه حقده، وسلبه الله عقله، انتكس إلى خلاف تلك الحقيقة، متخبطاً بقوله وفعله، يقوده هواه، حين يغيب عقله، حتى يقع في فتنته، وحينئذ يصحو ولكن إلى أين؟! إلى واقع الشعوب المتناحرة، أم القيادات المتسلطة! أم إلى أين؟!
إن العاقل ليقف منبهراً أمام ما يقع! مستجيراً بالله من ذلك الواقع! ومع هذا نجد من يطنطن، أو يشنشن، وكأنه غُيّب عما نعيشه من خير ورغد، ذلك أنه حين مرض خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله مرضه الأخير، خامر النفوس الصادقة ما جعلها تحس بما لا تستطيع وصفه، وما ذاك إلا خشية ما لا يحمد -لا قدر الله سوءً- خوفاً على نعمة الأمن والوشائج القائمة بين أسرتنا السعودية، وإنه وبلا مراء فالسعودية صمام أمن الخليج بعمومه وعامل رئيس في استقرار العالم، فلما أعلنت وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله كانت الصدمة مؤلمة - رنت لها الآذان كما يقال- فاستبشر بها أهل الحقد والأهواء، ولكن الله بكرمه ثم بالحكمة المعهودة بأهلها، وفي أهلها، ومن أهلها، أهل الحكم والحل والعقد، أماتت ما اشرأبت له أعناق المرجفين، حين أُعلن تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملكاً للمملكة العربية السعودية، وهو خير خلف لكريم سلف، وأعلنت ولاية العهد للوفي الأبي سمو الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وولاية ولاية العهد للمجالد الصابر المصابر، سمو وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف وأعلن المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، وزير الدفاع، رئيس الديوان الملكي الفتى المتوثب مجداً وسمواً سمو الأمير محمد بن سلمان، هناك وبحق استبشرت وهدأت النفوس السوية وانكبتت واندحرت النفوس الشريرة بحمد الله وتوفيقه، مستمراً النمو والعطاء بما طاب معه النوم تلك الليلة لكل سوي وفي، بما لا يحيط به وصف ولا يلم به فطن، ليلة ترقبها أهل السوء بما تأمله نفوسهم الخبيثة فخابوا، وتوجس لها أهل الصدق والوفاء ففازوا، لحظات عصيبة كل عاقل يدركها.
قدّر الله بقضائه فلطف برحمته فجمع أمر الأمة على خيرتها، بسابغ فضله فاستمرت تلك السفينة العظيمة ماخرة عباب تلك المحيطات، آمنة بقيادتها الحكيمة، وكل ما حولها تتقاذفه حمم براكين الفتن، ومملكتنا باقية على رغدها واستقرارها، فنحمدك اللهم على تلك النعمة، سألينه ألا يغير علينا ما نعيشه.
ومن هنا أدخل موجزاً إلى ذكريات عشتها منذ ثلاثين سنة، أولاها تتمثل في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أدام الله عزه.
1- عرف عن سلمان بن عبدالعزيز قبل أن يكون ملك المملكة العربية السعودية أنه حاكم نجد ولم تقل هذه الصفة لأي من أمراء المناطق الأخرى في المملكة فيما أعلم إذ هي خاصية لازمت سلمان بن عبدالعزيز، وما أطلقت قبله إلا على والده الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، فكان له التميز بما منحه.
أ- ما يتمتع به الملك سلمان بن عبدالعزيز من تجربة طويلة وحكمة محكمة جعلته ينفرد بميزات تؤخذ منه ولا يأخذها من أحد، فهو إذاً إلى حزمه وقوته يتمتع بخاصية عجيبة.
حين يجمع إلى تلك الصفات قوة إرادة يحكم بها نفسه بما يرى به المصلحة ولو كان مع أضعف المواطنين إذ إنه ولما وقع مني من انقطاع من الاستمرار بما أرى الخير من ثمراته فيما أقابل به سموه آنذاك حين كان أمير منطقة الرياض، مبرة لا تخصني ولا أسرتي الخاصة، وانقطعت مدة وجاء من سفر ولم أكن في الرياض ولا من ضمن مستقبليه في المطار أدرك عدم حضوري لسعة حلمه ومحبته وصدقه، فما كان منه إلا وأن بحث عني من خلال الهاتف يوم خميس جميل وفي تمام الساعة الحادية عشرة ما شعرت إلا بسموه يهاتفني وأنا في الزلفي قائلاً وبعد السلام ما كان ظني يا عبدالعزيز أنك تغيب، كل رأيته إلا عبدالعزيز الغزي، ثم قال وكأنه يعلم بما يجب بين الرجال من الوفاء وخاصة بين ولي الأمر وأي مواطن من مواطنيه وتلك (شعرة معاوية) رضي الله عنه والتي لا أراها هذا الزمن إلا (شعرة سلمان) مؤكداً على المجيء إليه في مكتبه في الإمارة آنذاك ولما جئت وجدت البشر والوجه المتهلل ووجدت لديه سمو الأمير محمد بن سلمان لا حرمه الله بره.
ب - ومن مؤشرات القوة لدى خادم الحرمين الشريفين ما رواه حكيم زمنه نايف بن عبدالعزيز -يرحمه الله- إذ كنت لدى سموه في سويسرا حيث قال بما معناه: كنا نحن أبناء الملك عبدالعزيز نذهب إلى الوالد حال جلسته الخاصة، وذات يوم كنا قد تهيأنا وكان من بيننا سلمان بن عبدالعزيز فقام أحدنا، وقال من يلبس هذا الحبل عقالاً فيدخل به إلى الوالد فله حق، فقال له سلمان بن عبدالعزيز وما حقه؟! قال: كذا.. فقال أنا ألبسه وكان فتى لم يتجاوز اليفاعة من العمر، فلما دخلوا على والدهم، لحظ العقال على رأس سلمان فقال بفطنته -يرحمه الله-، خذ حقك ممن راهنته،! الثانية وكما رواها سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز -يحفظه الله- وكنا لدى الشيخ عبدالله التركي في منزله ليلة عشاء على شرف سموه إذ قال عن سلمان بن عبدالعزيز متحدثاً عن قوته وجرأته، كنت صغير السن يعني نفسه فخرج سلمان بن عبدالعزيز على سيارة -ونيت- ومعه بندقية فعاد لنا بذئب اصطاده قرب موقع وزارة العمل حالياً فقمنا نتفرج على ذلك الذئب، ا.هـ وإضافة إلى تلك الجرأة يستنتج من هذا ما كانت عليه الرياض حال تولي سلمان بن عبدالعزيز الإمارة إذ نجد موقع وزارة العمل الحالي الواقع للغرب من محطة القطار مرتعاً ومسرحاً للسباع، قفاراً خالية بين ما هي اليوم كما يُرى، وإذا ما قورن بين تلك الحالتين وجدنا العجب العجاب وكل ذلك ثمرة من ثمرات جهده -يحفظه الله-.
ج- أما عن حفظه وذكائه فحدث ولا حرج إذ كنت جالساً وما أنا بالبعيد منه في المجلس العام في الإمارة فجاء رجل قد غشاه الشيب وعليه ملامح الكبر فاستقبله سموه آنذاك وقال: كم لي عنك لم أرك؟! فلم يجب الرجل تحديداً فقال سموه لي عنك خمس وعشرون سنة!! كما أنه وكنت جالساً كذلك في جلسة أخرى تقدم إليه شخص بخطاب فلما قرأه قال: ألم تقدم هذا قبل كذا وكذا؟! فلما تُحقق من الأمر وُجد أنه في التاريخ الذي ذكره سموه آنذاك، ولهذا ومع كثرة ما يقدم إلى سموه حين كان أمير منطقة الرياض كل يوم فهو لا يغيب عنه واقع ولا يستطيع أحد أن يحتال! وكيف لا يكون كذا وهو الذي استخلص خلاصة تجارب وأعمال ستة ملوك هو سابعهم متعه الله بالعافية، من الملك عبدالعزيز، فسعود، ففيصل، فخالد، ففهد، فعبدالله، رحمهم الله، حتى تسلم قيادة هذه السفينة جعل الله سيرها آمناً ورسوها آمناً، ويضيق المقام لو عددت حين كنت ضمن لجنة إصلاح ذات البين إذ لا نخرج في مهمة رسلاً لسموه آنذاك، إلا ونجد حسن الاستقبال ممن نقصده في أنحاء المملكة استجابة لسموه فيما يطلبه عن رضا وقناعة! وكم نجت نفوس من القتل كان هو السبب الرئيس في نجاتها -لا حرمه الله أجرها- وكم جمع شملاً مفترقاً، وكم آسى، وكم واسى؟!إلى ما له من علم في الانساب والرجال والأخبار ينبهر له المتخصصون، فحدث ولا حرج!
د- عرف عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منذُ كان في إمارة الرياض المواظبة على الدوام بدقة واستغراق الدوام في العمل المنتج وأنه لا يخرج من مكتبه إلا آخر الدوام ما لم يكن له موعد، ومكتبه يكاد يكون مفتوح الباب إضافة إلى ما يستقبل به المئات يومياً في المجلس العام إذ لا يمل ولا يكل منحه الله الصحة والقوة والتوفيق، ويتضح ذلك في استمرار الخير أنه منذ تولى سدة الحكم فقد أعلن لشعبه بأن كل من تكن له مظلمة فما عليه إلا أن يرفع بها وستجد العناية والاهتمام بما يكشف تلك المظلمة، ولو كانت ضد أولاده وأحفاده، ومن رغب مقابلة خادم الحرمين الشريفين سهل عليه ذلك وقد بدأ الخير متدفقاً في تلك القرارات الحكيمة التي استبشر لها المواطن وفرح لما لها من أثر يلامس نفس كل مواطن على مختلف مستوياته، وإنه لا يحد مدى ذلك الاستبشار بتلك القرارات الكريمة، من عفو في الحقوق العامة والتسهيل على المواطن في كل ما من شأنه مصلحة الوطن والمواطن في الخاص والعام وما لتلك المكارم من أثر حسن على الفرد والمجتمع جعلت القلوب تجمع على حبه والألسن تلهج بالدعاء له ولما ينتظره من تعاقب الخير في القرارات والأوامر الخيرية المقبلة.
2- سمو ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز عرفت سموه عن كثب خلقاً ولطفاً وحزماً حين زرته للسلام ومجموعة من الرفقة منهم الدكتور محمد الموسى والدكتور سليمان العليوي فزارنا بعدها في الزلفي عام 1406هـ فيما أظن ويطول المقال لو عددت، إذ سمعنا من سموه ما يشنف الاسماع ويجعل المتخصص يحجم عن الحديث أمام سموه ثقافة علمية، فلكية زراعية مهنية صناعية، اقتصادية سياسية، حتى أن محادثه ليخجل لعجزه عن مجاراته مما يسمع إذ يأخذ بالألباب في حديثه وكريم أخلاقه وتواضعه، إلى ما تخصص به من علم الطيران الحربي وأفانينه القتالية، ومعرفة الأنواء والنجوم.
3- سمو ولي ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ولا يستغرب حين يقال عنه -نايف الثاني- حكمة وتواضعاً وخلقاً وحزماً ودراية وكيف لا؟ وهو ابن نايف عاش في كنفه فنهل من معينه حتى ماثله بتلك الخلال الكريمة النايفية التي شهد بها الاتقياء الأمناء، وأقر بها الأعداء البعداء، وإنه لا يُشبّه في موقفه مع الفكر الضال، إلا بما كان عليه المهلب ابن أبي صفرة في حربه مع الخوارج من صدق عزيمة وطول مراس وصرامة بأس، وتحمل أعباء، وقوة إباء، ودقة فراسة، وحكمة سياسة، حتى بقي آسي ذلك الداء، ونطاسي علله وإنه ليذكر بالمثل العربي في المهمات واللزبات (جذيلها المحكك وعذيقها المرجب).
4- سمو الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس الديوان الملكي، يكفيه أنه ابن سلمان إلى ما له من خلال كريمة مكتسبة، التقيت به مرتين الأولى لدى مدير عام الحقوق في إمارة الرياض الشيخ إبراهيم الشثري، والثانية لدى والده خادم الحرمين الشريفين حين كان أمير الرياض إذ قلت لسموه بعد السلام، يا ابن سلمان لا تنسى أنك ابن سلمان وبين جدين كريمين ومسؤوليتك كبرى، ومستقبلك عظيم إلخ... وإنه ليذكرني بتوثبه توثب الملك المؤسس حين كان في سنه مشمراً لاستعادة ملك آبائه وأجداده حتى حقق الله له ما سعى فيه فأقام هذا الصرح العظيم الجامع لأمة كانت متناحرة فتصافت، ومتنافرة فتآلفت حتى بقينا بفضل الله أمة واحدة بل أسرة واحدة، رب بيتها الكبير فيها، والدها ملكها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز جعل الله التوفيق حليفه وأجرى الخير على يديه لأمته مدراراً وحفظ علينا ما نعيشه من أمن ورغد ورخاء، مثبتاً المهتدي، راداً الشارد إلى وكنه، والضال إلى هدايته وهو حسبنا وكفى.