يوسف المحيميد
من يعيد النظر إلى عشرين عاماً، يجد السيناريو محكماً حتى وإن كان بطيئاً في الشرق الأوسط، وبدقة أكبر في العالم العربي، منذ اجتياح صدام للكويت، ومن ثم احتلال العراق، وتسليمه لعملاء إيران من أجل تفكيكه وإضعافه، وحتى الثورات العربية التي تبدأ ثورات شبابية وشعبية، وتنتهي في أحضان من يوالون أمبراطورية فارس القديمة، يجد أن ما يحدث هي مسرحية علنية للعبث بالدول العربية، وتفتيتها، وإعادة تقسيمها، بحجج واهية كالطائفية، بينما الأمر أكبر من ذلك، وما شعارات الطائفية وحوادث القتل والتفجير في المساجد والحسينيات والكنائس إلا غطاء كاذب للقومية الفارسية التي تهدف إلى نهش العالم العربي باسم الطائفة والمذهب!
كانت إيران، وهي اللاعب الأكبر والأكثر خطراً في المنطقة، تلعب في الخفاء، سواء بواسطة الأحزاب والجماعات التي تقوم بدعمها علناً، أو خلق فراغات سياسية في هذه الدولة أو تلك، ثم استغلالها بدعم الموالين لها، ولكنها مؤخراً باتت تدخل خشبة المسرح علناً، لم تعد بحاجة إلى تحريك الدمى من بعيد، فقد دخلت في سوريا والعراق، بادّعاء تقديم الدعم في مواجهة قوى الإرهاب والتطرف، مثل داعش التي أوجدتها أمريكا باعتراف هيلاري كلينتون وكثير من السياسيين الأمريكيين، ومعظم الصحف الغربية، وفتحت لها الطريق لاحتلال الموصل دون مقاومة، ومنحتها السلاح في حين كانت ترفض دعم الجيش السوري الحر، لأنها تريد إكمال السيناريو، الذي اتضح أكثر بظهورها علناً مع إيران، والتسامح مع ملفها النووي!
ها هي إيران وجماعة الحوثي التي احتلت اليمن السعيد، وفعلت ما لم تفعله جماعة انقلابية من قبل، داهمت وعزلت واحتلت، دون أن يتحرك العالم تجاه ذلك، فتحت خطاً جوياً للطيران الإيراني الذي لم يدخل اليمن من السبعينيات، وأصبحت رحلتان يومياً تهبطان في صنعاء، ولا يوجد تبرير واحد لهذه الرحلات سوى التسليح، فهل هناك سياح يمنيون بمعدل رحلتين يومياً إلى طهران؟ أم أن الإيرانيين أصابتهم الكآبة، بسبب الاستبداد وقمع الرأي هناك، وبحثوا عن السعادة في اليمن السعيد؟
للأسف كل هذا يحدث أمام أعيننا، ويدركه من لا يفقه شيئاً في أبجديات السياسة، والكل يدرك الخطر الذي يحيط بنا من جميع الجهات، بل ويحيط بمستقبل العالم العربي الذي بات مظلماً، إلى درجة أن خيبات الستينيات نعتبرها الآن ذروة المجد العربي قياساً بما يحدث الآن، خاصة أننا لم نعد الآن بحاجة إلى كـشف مسرحية الشرق الأوسط، فقد بات كل شيء واضحاً للغاية، وما لم تسعَ الدول العربية، للعمل بروح واحدة، واليقين بمصير مشترك واحد، وعقد تحالفات عسكرية مع دول أخرى، إقليمية وغير إقليمية، فإن المستقبل أكثر سوءاً، وأكثر ظلاماً.