أ. د.عثمان بن صالح العامر
نحن جيل سيكون التاريخ الذي مرّ عليه من أصعب صفحات التاريخ العربي في نظري، فمنذ بداية القرن الخامس عشر الهجري وعلى وجه التحديد منذ مطلع عام ألف وأربعمائة، بل قبل هذا بسنوات عدة وحتى هذه اللحظة وساحتنا العربية تشهد صراعات وصدامات ومنازلات وخصومات وفتن ومحن بين تيارات سياسية وفكرية أيديولوجية مختلفة ومتنوّعة، من الصعب على من ولد بعدها فهمها ومعرفة ملابساتها بالشكل الذي نتوقّعه نحن من عايشها بكل تفاصيلها وما زال يرى شيئاً منها في بلدان العرب ذات الرايات المتنوّعة لوناً وشكلاً وطعماً وذوقاً، وهي مرجحة وللأسف الشديد للتأزم والزيادة في السنوات القادمة حسب ما هو مخطط لها من قبل أعدائها وما نسمعه من تحليلات واستنتاجات وتكهنات، إلا أن يتغمدها الله برحمته وتجتمع كلمة الساسة وصنّاع القرار ويتحد الصف العربي من جديد.
لقد ذاق الشعب العربي جراء التسلط والتزعم المشبوه القتل والفتك والسجن والتعذيب والطرد والتهجير، ومن سافر للبلاد الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من بلدان العالم المختلفة يحزن حزناً شديداً حين يجد العقل العربي المهاجر الشريد يعيش هناك مشاركاً في صناعة حضارة ليست له، وفاعلاً تنموياً بامتياز في بلد غير بلاده، وقد حرم من لذة الوقوف على أرضه والعيش تحت سقف داره.
لقد سافرت إلى بلاد غربية وشرقية عديدة، وفي كل بلد حلَّ فيها ولو لساعات أجد عربياً جريحاً، والقاسم المشترك بينهم جميعاً التحسر على الحال التي هم فيها، وتذكر الماضي الذي كانوا ينعمون فيه - مهما كان قاسياً من قبل- بكل شوق وحزن وألم.
قبل أيام معدودة قابلت في بلد عربي مجموعة من الأكاديميين العراقيين أصحاب تخصصات علمية مختلفة، مسحة الحزن تعلو محيّاهم جميعاً، ونبرة التشاؤم من الغد القادم هي قاسمهم المشترك، والخوف من إسماع صوتهم حتى وهم بعيدون عن بغداد هو ديدنهم، ولذا فهم غالباً ما يلتحفون بالصمت القاتل رغم ما هم فيه من حال، خوفاً من أن يلحق الأذى بأقاربهم وذويهم داخل العراق.
العجب أن نعت العراقي «بالمثقف» أو وصفه «بالأكاديمي» سبب لملاحقته وإيقاع صنوف العذاب عليه، ولذلك يقولون وهم يتحسرون «نحن من أحرق مكتباتنا الشخصية بأيدينا خشية الرقيب».
قصص دامية وواقع عربي مؤلم وحياة قاسية يعيشها الشعب العراقي وما ماثله من أبناء العرب الذي يقطنون بلاد الشتات بعيداً عن دجلة والفرات وفلسطين ودمشق، والقائمة تطول للأسف الشديد.
في فنلندا البلد الصغير البارد جداً القابع على أطراف القارة الأوروبية التقيت - قبل ما يزيد على ثماني سنوات- عراقيين يبكون بدل الدموع دمًا، يتمنون رؤية العربي وصوت العربي ورائحة العربي فضلاً عن سماع الأذان ومشاهدة الناس وهم يصلون ويذكرون الله.
من كان يتصوّر أن هذا البلد ذا التاريخ المجيد والحضارة العريقة والقوة والسطوة والثراء والإثراء يتحول بين عشية وضحاها إلى محرقة لأبنائه وبناته، وميدانٍ للمنازلة والقتال، وعنوانٍ من عناوين الدمار والخراب؟! ولمصلحة من، وعلى ماذا، وإلى متى، وما النتيجة؟
إن القلب ليحزن والعين تدمع حين تجلس تستمع لرجل طريد شريد لا الأرض أرضه ولا الشعب شعبه ولا الأمر أمره ولا المستقبل له، بل هو في النهاية مجرد وافد لا بد أن يرحل يوماً ما إلى المجهول!!!
إن تقليب الأوجاع العربية والتفكّر والتفكير بالمآلات والنهايات التي تنتظر أبناء الجيل العربي الذي استبيح كل شيء له يجعلك تخشى الدوائر وتترقب القادم بخوف ووجل، وتنشد وتناشد العقلاء وذوي الأفهام منا أن ينبروا للأمر بشكل جدّي وعزم وحزم مذكّرين وواعظين ومنبهين ومحذرين للجماهير وأصحاب الأهواء والنزوات بأن يكون عقلاء يعون ويدركون حجم التحديات والمكائد والنزوات والمخططات التي يخفيها العدو، والعاقل من اتعظ بغيره، أقول هذا وأنا أرى - مثل غيري - القيادات السياسية - العالمية والإسلامية والعربية والخليجية - تتوافد إلى الرياض زرافات وأفراداً بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر، متحدثين عن حجم التحديات وتصاعد الأحداث في المنطقة ، وهم - في ذات الوقت - يدركون قوة ونفوذ قيادتنا المباركة وأثر القرار السعودي على خارطة الأحداث والتحركات العالمية اليوم سواء السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية.. وفي المقابل أسمع عن ضخامة الهجمة الإلكترونية والإعلامية الموجهة لبلادنا الغالية المملكة العربية السعودية هذه الأيام، وأتعجب من كثرة المواقع المشبوهة على الشبكة العنكبوتية، وعدد التغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي المهول الذي يريد أن ينسف أمننا ويشتت شملنا ويذهب قوتنا ويفسد عيشنا ويشق صفنا ويغرز الخنجر في خصرنا الحبيب، ويريد منا أن نكون كما هو حال العراقي أو السوري أو الليبي أو اليمني أو التونسي أو...
إن على كل واحد منا مسئولية مباشرة إزاء أمن و استقرار وطمأنينة المواطن والمقيم والزائر لهذه الأرض المباركة والحرم الآمن، فالله الله أن يؤتي الوطن من قبلك، وحين تقع الواقعة وتكون الفتنة فهي أشد من القتل، حفظ الله قادتنا وحمى أرضنا وحرس عقيدتنا وجمع كلمتنا ووحّد صفنا وبصّر علماءنا ومفكرينا ومثقفينا وأصحاب الرأي فينا وأولياء الأمور والإعلاميين والمربين لما فيه خير البلاد والعباد، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.