د. فوزية البكر
صادف يوم الأحد الماضي الذي وافق الثامن من مارس المناسبة العالمية التي يحتفل بها العالم أجمع وهو يوم المرأة العالمي. في هذا اليوم تقوم دول العالم وتتقدمها منظمة الأمم المتحدة باعتبارها حاضناً لكل الأمم على وجه الارض بعمل التظاهرات الثقافية والملتقيات والمنتديات للتحاور والتوعية بحقوق المرأة وأدوارها في الحياة العامة والخاصة.
ولا يخفى علينا ما تمثله المرأة السعودية من أهمية سواء على المستوى العالمي أو المحلي وهي التي تشغل بأخبارها الصغيرة والكبيرة شتي أنحاء المعمورة منذ بدأت رحلة التنمية الوطنية عبر إتاحة فرص التعليم والتدريب والعمل لها بالقرار التاريخي الذي دشنه المغفور له الملك سعود وتلاه مباشرة تعميم تجربة تعليم المرأة التي قاد رحاها الملك فيصل وها هي التجربة الخيرة تؤتي ثمارها في العهود اللاحقة عبر مئات الآلاف من القيادات النسائية السعودية المتعلمة التي تعيش وتعمل بين ظهرانينا أو في دول الجوار أو حول العالم.
ولا أجد مبرراً كافياً يقنعني بالموقف المتشدد الذي تتخذه العديد من الفئات ضد احتفاليات الأمم المتحدة بالمرأة فإذا كانت الحجة أن المرأة أكثر من يوم وهذا صحيح فالمنطق نفسه ينطبق على كل المناسبات بدءاً من الاحتفال بيوم الأرض وانتهاء بيوم الشجرة والطفل والعامل الخ. فالغرض هو في تخصيص الوقت والجهد لإثارة بعض القضايا التي تخص هذه المناسبة لتوجيه اهتمام الأفراد والدول والمنظمات إليها وهو ما حققته بالفعل جهود كثيرة ساهمت فيها الأمم المتحدة عبر تاريخها الطويل في الدعوة لمزيد من الحقوق والتمكين الشخصي والاقتصادي والسياسي للمرأة في كل مكان. وإذا كانت الحجة أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها ولا نحتاج إلى منظمات عالمية للتنبيه لها وهذا أيضا أمر حقيقي ولا مراء أو جدال فيه الا أن جهود قطاع ما لا يلغي جهود الآخر فإن تنبه الأمم المتحدة إلى حقوق المرأة في ان تلد طفلها في المستشفى وبتوافر خدمات طبية كافية وأن تنادي بمحاربة العنف ضد المرأة فهذه أمور لا تتعارض مع الشريعة، بل هي تأتي مؤكدة لهذا الحق ومطالبة بالإجراءات التنفيذية علي أرض الواقع لتتمكن المرأة المسلمة ثم تدريجياً المرأة في كل مكان من العيش بسلام وكإنسان سوي مواز لرفيقها الرجل يرعيان نواة المجتمع الإنساني وهي الأسرة بأدوارهما الطبيعية التي قررها الباري وفرضتها الطبيعة والمعاش الإنساني قبل أن تفرضها قوانين العالم.
العناية بالمرأة ورفع الظلم عنها وتمكينها اقتصادياً وشخصياً لا يتعارض مع أدوارها الطبيعية في الزواج أو الانجاب أو رعاية الأسرة واتحدى أي إنسان (طبيعي) أن يؤكد لي أنه يستطيع أن يعيش بشكل عادي في مجتمعاتنا الإنسانية دون وجود نواة الأسرة التي تمثل المرأة فيها العمود الرئيسي فهي من ترعي وتحمل وتلد وتربي وترعي الرجل في حله وترحاله وفقره وقفزاته النفسية والعقلية والاجتماعية كما يرعاها هو ولذا كان لزاماً علينا كمجتمعات سوية التذكير دائما بحق المرأة الأولى في الرعاية للمرأة من الإساءة النفسية والجسدية وتحقيق تعديل الأنظمة والممارسات الحكومية التي يقودها (عقل رجل الغابة) في غالب الأحيان مما يوقع المرأة ثم الطفل ثم الأسرة في مشكلات لا حصر لها.
أعود مرة أخرى مؤكدة أن غرض العالم من التذكير بالمرأة وحقوقها ليس تأكيد الصراع بين الجنسين الذي تحاول بعض الأدبيات الساذجة تصويره بل لتعزيز مكانة المرأة في النظم المحلية والعالمية بما يحقق رفاه البشرية ككل.
في هذا الصدد تشرفت بتلبية دعوة مكتب الأمم المتحدة بالرياض الذي نظم مشكورا احتفاليته بيوم المرأة العالمي عبر الاحتفاء بنجاحات المرأة السعودية في المجالين السياسي والاقتصادي الذي تحدثت فيه ثلة من السعوديات المبرزات. لعل أكثر ما يلفت الانتباه في هذا اللقاء هو هذا الجيل المتوثب من النساء الشابات السعوديات اللاتي ورغم صعوبة الواقع الذكوري المحيط بهن إلا أنهن استطعن تجاوز تلك العقبات ليخلقن منها نجاحات ثقافية وعلمية واقتصادية مشهودة. بل لعل أكثر ما لفت انتباهي هذه النبرة (العملية) في مواجهة الواقع وهو أن نتمكن من استغلال الفرص المتاحة بدل التفكير في سوءاتها وهو ما فعلن.
والمدهش مثلاً هي بعض الحقائق المدهشة التي صرحت بها المتحدثات من خلال واقع خبرتهن وهن يمثلن قطاعات مختلفة بعضها حكومي وبعضها مدني وخيري من مثل:
- أن التمكين الاقتصادي للمرأة ورعايتها في مشاريعها وتحقيق التوأمة معها وامدادها بالمشورة والدعم المالي واللوجستي الذي تحتاجه في قطاع العمل الخاص يمكن الاسرة ككل وليس المرأة فقط فمن خلال ما لاحظته هؤلاء الناشطات فالرجل في العادة لا يشارك من حوله المعلومات من حوله على عكس المرأة التي تشارك أطفالها واخوانها ومن حولها من أفراد الأسرة الكثير من المعلومات الاقتصادية التي تتعرف عليها أثناء تجربتها في العمل الخاص فتنشر بذلك ثقافة العمل الحر وتنشر المعلومات المختلفة حول الفرص الموجودة والدعم من القطاعات بحيث ينعكس على مقدار الطلبات التي تتلقاها المؤسسات المختلفة لاحقاً حيث إن سريان معلومة مالية مفيدة تعني ان عدداً من شباب أو شابات الأسرة سيتقدمون بطلبات للتمويل أو الرعاية بدعم من المرأة التي توجد بينهم راعية وداعمة ومشجعة وهذا في حد ذاته كاف لإعطاء المرأة الفرص التي تستحقها طالما سيتم مضاعفة الفائدة من خلال تبادل المعلومات والإمكانات بين أفراد الأسرة وحتى الصديقات.(حنان السماري: صندوق الأميرة مضاوي بنت مساعد)
- إن مفهوم الفقر والحاجة لا يعني بالضرورة الفقر المادي عندما تقدم المرأة للجهات الداعمة فقد تمتلك المال مثلاً لكنها فقيرة في قدرتها على استخدام شبكة اتصالاتها لتسهيل المهمات كما يفعل الرجل أو قد تكون فقيرة بالاتجاهات الإيجابية التي لا تحبط نتيجة الصدمات (المتوقعة) أو فقيرة في مهاراتها الاجتماعية وفي القدرة على التواصل أو القدرة على إدارة المجموعات أو القدرة على التفكير باستقلالية وسرعة أو عدم التمرين على اتخاذ القرار أو التخوف وعدم الثقة في صنع القرار رغم توفر اللحظة المناسبة وهكذا.(نوف الراكان: لجنة سيدات الأعمال ورشا التركي من جمعية النهضة)
- من القضايا الرئيسية التي تواجه المرأة ليس وجود الفكرة عما تود عمله أو المال أو الرغبة بل غياب النموذج الذي يرعي ويوجه ويدعم ويساعدها حتى تقف على قدميها. وفكرة النموذج أو المنتورنك ضرورية وأساسية في كل قطاع تجاري أو علمي رغم ندرة عناية المؤسسات العامة والخاصة به. (د. ثريا العريض، د. أمل فطاني، د. حدمة العنزي والاستاذة آمال المعلمي من مركز الحوار الوطني)
- أقول في تعليقي على ما سمعته ان من الضروري الإيمان بأن ما نريد ان نفعله لا يقصد منه تلميع الصورة أو رصفها بالمجوهرات المبهرة قدر ما يعني حاجة المرأة نفسها إلى تمكين حقيقي على الأرض عبر قوانين فعلية تخترق صف الممارسات التقليدية التي تفرضها بعض المؤسسات على المرأة ولن يأتي ذلك الا عبر الدعم المباشر الذي تحتاجه ويستطيع تقديمه بلا شك صانع القرار!