د. عبد الوهاب بن منصور الشقحاء
عُيّن عمر بن عبد العزيز واليًا على المدينة المنورة سنة 86 هـ، ثم ضُم إليه ولاية الطائف سنة 91 هـ، وبذلك أصبح واليًا على الحجاز كلها، وكان من شروطه لتولي الإمارة عليها: «أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحدًا، ولا يجور على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال» ولما رأى سليمان بن عبد الملك نزاهته وفطنته عينه وزيراً له، ثم عهد إليه بالحكم من بعده تلقى عمر بن عبد العزيز علومه الشرعية وأصول الدين وحفظ القرآن الكريم على يد شيخيه صالح بن كيسان وسعيد بن المسيب، -رحمهما الله- وكان شديد الاتباع للسنة، ومن أقواله في ذلك: «لو كان كل بدعة يُميتها الله على يدي، وكل سنة ينعشها الله على يدي، ببضعة من لحمي حتى يأتي ذلك من نفسي كان في الله يسيرًا» بويع عمر بن عبد العزيز بتولي مقاليد الحكم بعد وفاة سليمان بن عبد الملك سنة 99هـ فجمع جماعة من الفقهاء والعلماء وقال لهم: «إني قد دعوتكم لأمر هذه المظالم التي في أيدي بعض حكام الأقاليم، فما ترون؟ فقالوا: إن ذلك أمر كان في غير ولايتك، وإن وزر هذه المظالم على من غصبها، فلم يرتح عمر إلى قولهم، وأخذ بقول جماعة آخرين من العلماء ومنهم ابنه عبد الملك الذي قال له: أرى أن تردها إلى أصحابها ما دمت قد عرفت أمرها، وإنك إن لم تفعل كنت شريكاً للذين أخذوها ظلماً، فاستراح لهذا الرأي وقام برد المظالم إلى أهلها».
وكان قبل أن يتولى الحكم قد تمرس في الإدارة والياً وحاكماً، واقترب من صانعي القرار ورأى عن قرب كيف تدار الدولة وخبر الأعوان والمساعدين، مما أكسبه الخبرة والتجربة على تحمل المسؤولية ومباشرة مهام الدولة، فكان يختار ولاته ووزراءه بعد تدقيق شديد، فلا يلي في عهده إلا من رجحت كفاءته وعلمه وإيمانه، وكان يتابع ويراقب ولاته في تطبيق سياسته العامة التي وضعها للدولة ومن أهم قراراته بعد توليه الحكم أن ركز على تطهير الجهاز الحكومي من المتنفذين الذين شوهوا سمعة الدولة بأعمالهم وظلمهم للناس، وعين بدلاً منهم من عُرِف بالصلاح والعلم والورع، ومما قاله لأحد المتنفذين: «أغرب عني يا ظالم رأيتك تُجلِس الناس في الشمس وتجوعهم وأنت في القصور والاستبرق» كما أسس مجلسًا للشورى واهتم بالنواحي الاقتصادية كإصلاح كثير من الأراضي الزراعية، وإقراض المزارعين، وحفر الآبار، وشق الطرق، كما اهتم بالناحية العلمية، فشجع الناس على حفظ القرآن الكريم، وأمر بتدوين الحديث النبوي وجمعه، كما أمر بالتسديد عن المعسرين والسجناء وقضاء ديونهم وإطلاق سراحهم، فتم إطلاق السجناء فلم يبق في السجون سجين واحد، وفتح باب الحوار مع الخوارج واستمالهم بالحجة فغلبهم بأخلاقه وعلمه وانصاع كثير منهم للحق ورجع عن غيِّه واشتهرت ولاية عمر بن عبد العزيز بأنها الفترة التي عم فيها العدل والرخاء في أرجاء البلاد.
وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد، فمن يقرأ سيرة وحياة الملك «سلمان بن عبد العزيز» يرى التشابه الكبير بين مليكين وإمامين كبيرين أنجبتهما الأمة العربية الإسلامية في زمنين متباعدين، فقد تربى الملك سلمان بن عبد العزيز في بيت العلم والدين والحكمة بيت الموحد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله- فحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره على يد شيخه «عبد الله خياط» إمام وخطيب المسجد الحرام كما عُرف الملك سلمان باهتمامه بالعلم والعلماء، وكان قوي الصلة بهم وذلك بزيارتهم في منازلهم، كالشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين - رحمهم الله- وتعمقت صلته بالعلماء المعاصرين أمثال سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ كما أسس جائزة سلمان بن عبد العزيز لحفظ للقرآن الكريم، للبنين والبنات، وخصص لها من ماله الخاص مبلغ مليوني ريال توزع على المتفوقين في حفظ كتاب الله، وهو الرئيس الفخري للجمعية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، والرئيس الفخري للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض، وهو رئيس مجلس إدارة جمعية البر الخيرية وفروعها بمنطقة الرياض، وله مجلس يعقده في قصره كل أسبوع يحضره العلماء وعامة المواطنين.
كانت بداية دخوله العمل الرسمي بتاريخ 11 رجب 1373 هـ عندما عين أميرًا وحاكمًا إداريًا لمنطقة الرياض، ثم تم تعيينه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدفاع ووليًا للعهد في 28 رجب 1433 هـ وقبل ذلك وزيراً للدفاع، ثم تولى مقاليد حكم البلاد بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز في 3 ربيع الآخرة 1436 هـ.
وحيث إنه قبل تولي الحكم كان قد تمرس بالإدارة، حاكماً إدارياً ووزيراً وولياً للعهد، وقريباً من صانعي القرار، فقد أكسبه كل ذلك الخبرة والتجربة على تحمل المسؤولية، ومباشرة مهام الدولة، فكانت قراراته بعد توليه الحكم أن ركز على تطوير الجهاز الحكومي، فأصدر بعد مبايعته ما يزيد على ثلاثين أمراً ملكياً، تنم عن خبرته الإدارية، تمثلت في إعادة تشكيل مجلس الوزراء، كما ألغى اثني عشر مجلساً وهيئة وأمر بإنشاء مجلسين هما مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الاقتصادية، كما أصدر قرارات تدل على عطفه ورحمته بالمواطنين تتمثل في أمره بصرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة السعوديين من مدنيين وعسكريين ولجميع طلاب وطالبات التعليم الحكومي داخل المملكة وخارجها، وصرف معاش شهرين للمتقاعدين على نظام المؤسسة العامة للتقاعد ونظام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وصرف مكافأة راتب شهرين لمستفيدي الضمان الاجتماعي، وصرف مكافأة إعانة شهرين للمعاقين، وضم قوائم الانتظار للمعاقين لإعانة المعاقين، وتعديل سلم معاش الضمان الشهري، كما أمر بصرف مبلغ ملياري ريال دعماً للجمعيات المرخصة بوزارة الشؤون الاجتماعية، وبدعم مجلس الجمعيات التعاونية بمبلغ مائتي مليون ريال، وبتقديم دعم مالي للجمعيات المهنية المتخصصة المرخص لها بمبلغ عشرة ملايين ريال لكل جمعية ومما يدل أيضاً على رحمته بالمواطنين والمقيمين، وحرصاً منه على لم شمل الأسر، ولوجود بعض من أبناء الوطن وبعض الوافدين إلى هذه البلاد في السجون جراء ديون أو قضايا مختلفة، أمر بالعفو عن السجناء في الحق العام من الغرامات المالية بما يصل إلى خمسمائة ألف ريال لكل سجين في ذلك، وكذلك التسديد عن سجناء الحق الخاص المطالبين بحقوق مالية بما يصل إلى خمسمائة ألف ريال، كما شملت أوامره الملكية،التي تدل على حرصه على التنمية اعتماد مبلغ 20 مليار ريال لتنفيذ خدمات الكهرباء والمياه، وقد بلغ إجمالي النفقات التي تضمنتها الأوامر الملكية 110 مليارات ريال سعودي.
ومما يدلل على إتباع الملك سلمان بن عبدالعزيز لمنهج السلف الصالح ما جاء في أول خطاب له للأمة بما نصه: «سنظل بحول الله وقوته متمسكين بالنهج القويم الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد المؤسس عبد العزيز - رحمه الله- وعلى أيدي أبنائه من بعده - رحمهم الله- فدستورنا هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم» كما يدل على عدل الملك سلمان وتقواه كلمته التي وجهها للمواطنين بما نصه: «كل فرد من رعيتنا يحس بظلم أو أن ظلماً وقع عليه يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها عن طريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا، وعلى كل موظف بالبريد أو بالبرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا، ولو كانت موجهة ضد أولادي وأحفادي وأهل بيتي، وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكوى، مهما كانت قيمتها سيقع عليه عقاب شديد؛ لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم، ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد أو عدم نجدة مظلوم.. اللهم بلغت اللهم فاشهد».
بعد كل ما تقدم عن هذين المليكين السلفيين عمر بن عبد العزيز وسلمان بن عبد العزيز، ألا يحق للأمة العربية والإسلامية أن تفخر بهما وأن يكونا نموذجين للعدالة ولما تنشده الشعوب العربية والإسلامية في قادتها؟ كما يحق لنا كمواطنين أن نفخر بمليكنا سلمان بن عبد العزيز ونتأمل كل الخير والصلاح لبلادنا في عهده الميمون، ويتبقى أن نكون عوناً له في تحقيق آماله بما فيه الخير لبلادنا وللإسلام والمسلمين.