فوزية الجار الله
محمد الراشدي.. كاتب سعودي جميل ذو لغة عميقة عذبة، إضافة إلى أنه يملك لغة ساخرة يمتعنا بها ما بين الفترة والأخرى سواء عبر زاويته الأسبوعية في صحيفة عكاظ أو عبر صفحاتنا المشتركة، أنا وهو وآخرون على «الفيس بوك»..
قرأت مجموعته الأولى (احتضاري)، تجولت ما بين سطورها وكلماتها لأقتطف لكم هنا شيئاً من ملامحها، على سبيل المثال:
قصة حجارة: بدأ يومه بذكريات سيئة تملأ ذاكرته بسبب ذلك الألم الذي سببته له ليلة البارحة، حدث ذلك حين توقفت به السيارة أمام إشارة المرور الحمراء.. (وكان يفتش في مخابئ الذاكرة عن مفردات حادة كالنصال، عابسة كالحجارة ليرمي بها كبرياءها الباذخ متى عاد إليها..
(.. لكنه لا يزال غاضباً منها حين اتجه إليها بعد الظهر وهو يعاني آلام الجوع ويتذكر كيف تركته بلا عشاء ليلة البارحة طاوياً وحيداً.. حين عاد إليها واحتوته أجواء عطرة جميلة وقد واجهته بمزيج من روائح العود والبخور العطر الذي ملأ غرفة نومه بما ينبئ بأنه سوف يهنأ بقيلولة معطرة. تأثر كثيراً وانسابت فوق خديه جداول صغيرة جرفت معها كل الحجارة).. القصة تقول بعض الخلافات الزوجية بين زوجين عاشقين تصبح حانية عابرة كالنسمة ينهيها مجرد مزيج من روائح عطر وبخور.
من خلال قصة «النافورة» يقدّم لنا الراشدي: صورة اجتماعية تحدث كثيراً.. الفقر وقلة الحيلة حين يتربصان بك يصبح جهاز الجوال ليس إلا أداة للإزعاج، حيث لا يأتي منه سوى أصوات تطالبك وتذكرك بالتزاماتك، يحاول الهروب بشكل لا واعي إلى مكان يحبه، إلى عادة جميلة يهرب إليها بين الفترة والأخرى، المقهى وفنجان الشاي، يتأمل نافورة الماء وليس في رأسه أي خطط بعيدة أو قريبة يهرب بها من هذا الوادي المعتم السحيق الذي هو في حقيقته مزيج من الضنك والضيق والحاجة..
قصة السلالم: هنا رمز للهوس بالوظيفة الرسمية والترقي في درجات السلم الوظيفي. (وكان يجد متعة جلية في اجتياز السلالم إلى نهايتها مغمض العينين وابتسامة واسعة تطفو على وجهه الذي تسفح تجاعيده عرقاً غزيراً..)
(.. ومراراً كان زوار المبنى يرونه مصطحباً متراً طويلاً للقياس يقيس به الأطوال والمسافات بدقة في المواضع التي يتعثر بها من السلالم ليتأكد أن الخطأ في قياساتها وليس في خطواته التي تحفظ مواضعها جيداً دون أي خطأ)..
هذا الهوس لم يكن مفيداً أو مجدياً، بل ربما كان سبباً في الاستغناء عنه ورغم أننا غالباً في الواقع المعاش لا نجد هذه الحكايات التي ترينا النهاية سريعة، بل نرى أؤلئك المهووسون بالسلالم يترقون ويأخذون موقعاً هاماً حتى حين..
(قهقه الموظفون سخرية وهوى به المصعد سريعاً إلى الدور الأرضي)..
وما زلت بانتظار مجموعات قصصية أخرى لمحمد الراشدي فلديه الكثير مما يقال ولديه الدأب والإخلاص الدائمين للسيدة «كتابة».