جاسر عبد العزيز الجاسر
لم يكن اجتماع (العوجا)، حيث قصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في مزرعته بالدرعية، والذي جمع القادة التنفيذيين بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، اجتماعاً عادياً، إذ إنَّ أقل ما يوصف بأنه اجتماع إعداد وتحسُّب لما يريد أعداء العرب فعله في اليمن واختراق البوابة الجنوبية.
والاجتماع له دلالات مكانية وزمانية، فكونه يُعقد في (العوجا)، فهذه دلالة حربية تتوافق مع (رقصة الحرب) التي اعتاد أهل نجد القيام بها قبل التوجه إلى المعارك، وقد برز هذا السلوك من القبائل السعودية، مجسدين الدور البارز لأهل (العوجا)، وأهل العوجا إشارة إلى أهل الدرعية التي انطلقت منها حملات توحيد الجزيرة العربية بعد تحالف الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب.
من يومها أصبح طالبو العون من القبائل يستغيثون بأهل العوجا.. فيرد عليهم أهل الدرعية ومن دخل في حلفهم (جال العون من أهل العوجا).
هذه الرمزية في اجتماع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالقادة التنفيذيين الخليجيين، يعطي بعداً رمزياً لابد وأن المهتمين بالشؤون الخليجية قد فهموه تماماً، وعرفوا دلالة هذه الخطوة الخليجية التي تذكر بها القيادة السعودية، ومن المبادر بها فهو الملك سلمان بن عبد العزيز المسكون بالتاريخ والعارف كيف يوظف دلالاته. وهنا يجب أن لا يستهان بما يجري من استعداد خليجي لمواجهة محاولات أعداء العرب والمنطقة لإسقاط اليمن وتحويله إلى ممر للهيمنة على إقليم الخليج العربي.
والتصدي لأعداء العرب والخليج ليس فقط بالوسائل العسكرية، فلدول مجلس التعاون قدرات وإمكانيات سياسية واقتصادية، إضافة إلى القدرات العسكرية لإفشال مخططات الأعداء. فالسعودية ودول الخليج لها علاقات واتصالات مع العديد من القوى الدولية والإقليمية والأطراف المحلية اليمنية المتداخلة فيما يجري في اليمن سواء المعارك منها والمباحثات السياسية. ولقد وضح لكل هذه الأطراف أن السعودية ودول الخليج وكما العديد من الدول العربية لم ولن تسمح بسقوط اليمن وتحويله إلى دولة تابعة لولاية الفقيه مثلما يسعى الحوثيون ويتماهى معهم جماعة الرئيس السابق علي عبد الله صالح. والذي ساعد على تحقيق كل ما تم حتى الآن تقوقع الأحزاب والجماعات اليمنية في دائرة المصالح والأهداف الشخصية والحزبية، فإنه وإن كان الحوثيون يتبعون أيدولوجية مذهبية، فإن كلاً من علي صالح وأعوانه يسعون إلى العودة إلى السلطة، فيما يتجاهل الحراك الجنوبي مخاطر تمزيق اليمن، وأنها لا تفصل الشمال عن الجنوب. ولذلك فإن السعودية والخليج سيسعون لتوظيف كل ما ذكرناه من إمكانيات وقدرات وعلاقات دولية وإقليمية، فدولياً حشد كتلة دولية تعزز الشرعية وتفعِّل كل الإمكانيات المتاحة دولياً بما فيها فرض عقوبات على من ينتهكون الشرعية، وحشد القوى الإقليمية لإفشال مخططات تمزيق وإشغال القوى العربية، ولا يُستبعد تفعيل القدرات الأمنية والعسكرية لتوفير أكبر قدر ممكن لتحصين الأمن العربي والحفاظ على البوابة الجنوبية.